علي أبو الريش

أن تذهب إلى السوق، وتنسى ما اشتريته من نفائس في مكان ما، فذلك من الممكن تعويضه.. وأن تنسى محفظتك التي ملأت أحشاءها بكل ما تملك لتشتري ما تريد أن تملأ به عين زوجتك، فذلك من الممكن تعويضه.. أن تنسى شراء غرض لزوجتك أو أولادك.. فذلك من الممكن تعويضه.. أن تنسى موعداً مع صديق عزيز كان لقاؤه الأول بعد سنوات فراق، فذلك من الممكن تعويضه، أن تنسى موعد اجتماع رئيسك في العمل.. أن تنسى موعداً للسفر إلى بلاد تشتهي أن تذهب إليها، ولكن “الشيطان” أنساك هذا الموعد، فذلك ممكن.. ولكن أن تنسى طفلك، أن تدعه يموت ولعبته المفضلة التي اشتريتها له بين يديه.. هذه هي المعضلة.. نعرف جيداً أن لا أحد يحب شيئاً ما أكثر من ابنه، فالأبناء فلذات الأكباد، والأرواح التي تسري في الأجساد، ولكن النسيان اللعين، النسيان البغيض سبب الفقدان الأليم، والإنسان لا ينسى إلا لأنه صب في الذهن مشاغل دنيوية أحرقت خلاياه العصبية، وجعلته في حال التوتر، والتشنج والشرود والذهول، كل ذلك يفقده القدرة على التركيز في الأهم، كل ذلك يرغمه على الخروج عن وشم الذاكرة الحية، كل ذلك يبعده عن الاهتمام بما هو أهم، وهم هؤلاء الصغار الذين يغطون في الكراسي الخلفية، ولا يتذكرهم من انشغل بفتح حقيبة المركبة لالتقاط ما اشتراه من السوق، ثم الذهاب فوراً إلى المطبخ لإيداعه في الثلاجة قبل أن يفسد.. وبهذه اللهوجة والعجالة وأحياناً الاتكال على الخادمة يظل الصغير في غفوته حتى يلقى سباته الأبدي وبعدها لا يفيد الندم.. الذي يموت، ينتهي عذابه ويستريح، ولكن الذين يعيشون المأساة هم الذين “نسوا” وهم الذين سيعيشون الفقدان الأليم ما حيوا، مؤنبين أنفسهم موبخين ضمائرهم، متحسرين على تلك اللحظة القاتلة التي اختطفت أعز ما لديهم، ولم يبق في قلوبهم غير الفراغ الذي يسكنه الحزن.
نتحدث عن طفل كلباء الذي تركه والداه في السيارة داخل المرآب لمدة أربع ساعات، نتحدث عن هذه المأساة الإنسانية التي تنيط القلب وتشخب الروح ولا نستطيع أن نقول إلا رحم الله صغير كلباء، وألهم آله وذويه الصبر والسلوان، اللهم صبر قلبي والديه وارحمهما من عذابات الحزن والأسى والفقدان.
وأتمنى أن يقرأ الآباء والأمهات هذا الخبر المأساة، لأنه درس يجب أن نتعلمه جميعاً، ويجب أن نطارد هذا النسيان اللعين، فيما كان لنتذكر صغارنا أحبابنا، أحباب الله وألا نجني عليهم وعلى أنفسنا لأسباب لا تستحق كل هذا اللهاث ولا تستحق أن نفني أعمار أطفالنا لأجلها.. يجب أن نتذكرهم، وهم في السيارات أو غرف النوم، أو حتى وهم يذهبون إلى مطابخ المنازل، لأنهم صغار وحياتهم معرضة لأي خطر في أي وقت، وإذا كانت الأعمار بيد الله، فيجب ألا نكون نحن سبباً لهذا الفقدان المرير.. حافظوا على أطفالكم، يحفظكم الله من الحسرة والندم.

– الاتحاد