الفجيرة اليوم – استهل منتدى الفجيرة الثقافي الذي تنظمه هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام أولى جلساته الفكرية بعنوان “الأسطورة والموروث الشعبي في القصة والرواية العربية”، والتي أدارتها الدكتورة رزان إبراهيم، بمشاركة الروائي والأكاديمي الجزائري واسيني الأعرج، والروائي والشاعر العراقي محسن الرميلي والأستاذ الدكتور محمد الشحات أستاذ النقد ونظرية الأدب من مصر.
وافتتحت الدكتورة إبراهيم الجلسة بالحديث عن الذائقة الفنية في مجتمعات ما بعد الحداثة والتي أصبحت تميل إلى تكريس الثقافة الجماهيرية، مشيرة إلى أن استخدام الأساطير يرفع من أبعاد النص الشعرية ويساعد الروائي أو القاص على فتح قناة مع القارئ من خلال مرجعيات لها وجودها الراسخ في ذاكرته.
وكمدخل للحوار توجهت الدكتورة رزان بسؤال إلى المنصة حول استثمار الروائي لمخزونه الغني من الأساطير والموروث الشعبي. وما الذي يمكن أن يقوله لمن يقدم الحداثة باعتبارها قطيعة مع القديم من التراث والأساطير.
بداية أوضح الروائي واسيني الأعرج أن الاهتمام بالثقافة الشعبية لم يزل ضعيفاً، إذا ما قورن بالاهتمام بالثقافة العالمية، مؤكداً ضرورة الاهتمام بالثقافتين معاً لأنهما يكملان بعضهما البعض.
وأكد الأعرج إلى عدم وجود حداثة بدون جذور، لأن كل حداثة تبنى على السطح وتبتعد عن الأصول هي آيلة للزوال، مشيراً على أهمية إدراك الكاتب أهمية العمل بجد عند إدخاله للعنصر البشري في المتن الحكائي، وأن يتعامل مع اللغة في روايته بأسلوب فني وبراغماتي بآن معاً.
وأشار الأعرج إلى أن قضية التناص هي قضية شائكة ومعقدة، لأن الكاتب يعتمد على النص الغائب والمكتوب، على نحو يظهر الجهد الروائي لأي عمل أدبي عند تغييب النص المرجعي، مشدداً على أهمية أن يجيب الكاتب عن أسئلة عصره وليس أسئلة العصر الفائت.
بدوره قدم الدكتور محسن الرملي تصورا عن روائيّ أمريكا اللاتينية المسكونين بالموروث الباذخ من المرويات الشفوية والكتابية، مستعرضاً أساليب المزج ما بين المتخيل والواقع وما بين المستحيل والممكن.
وشدد الدكتور الرملي على أهمية التفريق بين الأسطورة والتراث الشعبي، فهما على طرفي نقيض على حد تعبيره، مؤكدا أن أكثر من استخدم الأسطورة كان المسرح، خلافاً للرواية في العصر الحديث التي لم تستعملها.
وأكد الدكتور محسن الرملي على أهمية اللغة العربية الفصحى في الكتابة وقدرتها على نقل روح اللغة الشعبية إلى القارئ وإمكانية تطويعها لتكون معبرة عن كل أمة، لافتاً إلى ميله للتفصيح في الكتابة بدرجة أكبر من استخدام اللغات العامية في النص.
وأشار الرملي إلى أهمية استثمار الروائي لمخزونه الغني من الأساطير والموروث الشعبي وتطويعه في كتابة النصوص، على نحو تصل مضامينها إلى القارئ بطريقة واضحة وبسيطة وبأسلوب أدبي رشيق.
الأستاذ الدكتور محمد الشحات تساءل عن إمكانية استلهام الجزء المكمل للأسطورة من دون الوقوع في محاكاة لهذه الأسطورة، وهل يمكن إعادة إنتاج الأسطورة كواقع معاش، مشيراً إلى هذا أمر صعب.
وأشار الدكتور الشحات إلى أهمية الثقافتين الرسمية والشعبية في الكتابة الأدبية وتطويعهما، لافتاً إلى أن الثقافة الشعبية تكون بإعادة موضعة الإنسان في قلب ثقافته وبالتالي من إعادة إنتاج مقولاتنا العربية بأسلوب أكثر وضوحاً وتشويقاً.
وأوضح الدكتور الشحات أنه لم يعد ينظر إلى اللغة الشعبية بأنها لغة هوامش، بل هي المؤسس للغات الشعوب، مؤكداً على أهمية دمج المضمون للكلمة ضمن السياق الروائي، ومحاولة إنتاج الأسطورة في نص روائي حديث معاصر، على اعتبار أن جميع الأساطير في العالم تتقاطع مع بعضها البعض.
وأكد الدكتور الشحات بأنه لا يوجد نص آدمي بل النصوص سلسلة والكاتب لا يكتب من فراغ وإنما استناداً إلى خلفية تاريخية لديه، والفكرة هنا تكمن في كيفية استحداث نص جديد يستحدث من التراث.
واختتمت الندوة بمداخلات من الحضور أثرت موضوع الجلسة بالنقاش.
وواصل منتدى الفجيرة الثقافي جلساته الفكرية حيث تناول في جلسته الثانية “توظيف الأسطورة والموروث الشعبي في الأدب والفن العربي”، حيث ناقش في جلسته الثانية من يومه الأول “الأسطورة والموروث الشعبي في الشعر العربي وأدب الأطفال”، بإدارة الإعلامية الدكتورة بروين حبيب، ومشاركة كل من: الدكتور علي جعفر العلاق والأديبة الإماراتية الكاتبة باسمة يونس والشاعر العراقي كاظم حجاج.
استعرضت الإعلامية الدكتورة بروين حبيب مديرة الجلسة.. الوضع الراهن والمستقبل المتوقع لتضمين الأسطورة في الشعر العربي وأدب الطفل، إضافة إلى التحديات التي تواجه الأدب العربي، وأسطرة الشعر والأدب العربي والمسرح الشعري، واستلهام الأدب الغربي في الأدب العربي وغير ذلك…قبل أن تنقل الحديث إلى ضيوفها في المنصة.
الكاتبة باسمة يونس كانت أول المتحدثين، حيث أشارت في ورقتها النقاشية، إلى أن أدب الطفل العربي لابد من أن يؤدي رسالته التثقيفية وتأثيره الإيجابي وفقاً للموروثات العربية، وأن يستقي مضمونه من أصل وتاريخ عربي، ويستند إلى أسلوب السرد المبسّط ليُمَكِّن الطفل من إدراكه وفهمه، ذلك أن قدراته كفيلة باستيعاب كم هائل من الأفكار والتأثر بها لذا وجب علينا تحرّي الدقة في تضمين هذه الأفكار، وقياس مدى تأثيرها هو ما يجب التركيز عليه.
وأكدت باسمة يونس وجود خط فاصل بين الإغراق في الأسطورة وإدخال الأفكار الوهمية وبين توظيف التراث في القصة، مشيرة إلى أن توظيف التراث في أدب الطفل لابد من أن يربط بين ماضي الطفل وعناصر التراث والموروث.
وحول ما آل إليه المسرح الشعري ودواخل أسطرته، قالت الكاتبة يونس : “ما كان بالنسبة لنا أدباً حديثاً أصبح الآن تراثاً، والمسرح الشعري ليس متداولاً كثيراً مثل مسارح الماضي، و الطفل يُدخل في أجواء الترفيه بعيداً عن التراث، رغم أن الأسطورة في المسرح تساعد الطفل على أن يتعايش في المشهد بمخيلته ويُنتج، وأضافت: “نحن نمتلك أساطير واقعية والكاتب قادر على أن يحضر شخصية من الأساطير العربية وتوظيفها، لكن ذلك يعتمد على قدرة الكاتب على تقديمها في هيئة قصة تأخذ الطفل إلى منطقة سليمة”.
وأشارت الكاتبة يونس في الختام إلى أن “خصوصية مجتمع الإمارات في تمازج الثقافات تأخذنا إلى منطقة تشابه ومنطقة الاختلاف يجب أن نستفيد منهما للطفل ونوظفها لصالحه”.
من جهته، أكد الشاعر كاظم حجاج، أن الأسطورة المفردة المؤنثة مأخوذة من أصل أجنبي وأن كلمة أساطير الجمع وردت في القرآن الكريم، وأن وجود الأسطورة في اللغة العربية أحدث بعضاً من المفارقة من واقع الأصل المستحدث”
وقال حجاج: “نحن العرب لا نملك إلا القليل من الأساطير ونحن بواقع الحال نتفاعل معها، فالأسطورة حاضرة في حديثنا اليومي، و لم يزل الموروث العربي موجوداً معنا، وقرأ حجاج بعض المقتطفات من مجموعته الشعرية “إيقاعات بصرية” التي يتحدث فيها عن شيء من الماضي البعيد، حين تعرضت البصرة للضرب بالمدفعية، حيث أسطر مدينة البصرة في فترة الحرب العراقية الإيرانية”.
وقال الدكتور الشاعر علي جعفر العلاق، حول استثمار الموروث والأسطورة في الشعر، : “إن القصيدة حلقة وصل بين ماض وحاضر، بين لغة ومرجعية خارجية، وقدرة الشاعر على توظيف الأسطورة هو بالصعوبة بمكان حيث أن شاعر النثر لابد أن يُشعر القارئ بالتموج الروحي ويحيي أحاسيسه الداخلية وإلا فقد الإيقاع، والأسطورة قيمتها في أنها تقدم موضوعاتنا بشكل أكثر عمقاً.
وأضاف الدكتور العلاق: “لقد كتبت مجموعة قصائد للطفل، وأجد أنني لا أكتب حول الطفل بل أسقط الفارق الزمني بيني وبينه، فهو لديه قدرة على التخيل ولكنه لا يمتلك بلاغة التعبير، فعلينا أن نغذي فيه هذه المخيّلة، فالطفل ينظر للعالم بفضول، برغبة عارمة للمعرفة والتساؤل، وما إن يكبر ويكف عن التساؤل حتى تختفي هذه الشرارة، وأخطر مافي الشاعر أن يكبر الطفل الذي بداخله وتزول لغة الحُلم لديه وتتحول إلى لغة وعّاظ، فهنا يموت الشعر فيه.
وأشار الدكتور علي إلى أن الغرب استطاع مع التطور التكنولوجي أن يقدم تاريخنا بشكل أفضل مما قدمناه نحن واستثمره على نطاق واسع وهنا تكمن المفارقة، وبالتالي نحن لا نعاني نقصاً في تراثنا بل في قدرتنا على استثماره، إذ تسيطر علينا فكرة أن التراث من الماضي ونحن أبناء الحاضر ناسين أن حتى الحداثة تتطلب فهم التراث واستيعاب حاضرنا”.
وأضاف الدكتور علي في الختام: “مهما تحدثنا عن المثقف ثمة واقع نعود إليه، هو أن الشاعر المبدع وحين يعيش بين النعاس واليقظة ويكتب قصيدته، وتستيقظ لديه وتصحو اللحظة النقدية الذاتية، فيتساءل حول ما إذا كانت هذه المفردات الأسطورية تتلاءم مع فكر الطفل، وهنا يقوم بتخفيف مفرداته، فيتبدل المحتوى، ولذلك أقول أن مسودة القصيدة أنضج من القصيدة فهي بلا رقيب وبعيدة كل البعد عن آراء المجتمع وأفكاره وتوجهاته”.
في ختام الجلسة، فتح باب النقاش للحضور، حيث تم طرح بعض التساؤلات حول إمكانية أن تكون الأسطورة قرينة للفجيعة أم لها جوانب أخرى إيجابية من التوظيف مثل الحب والسلام، ومدى صلاحية الحكايات في الأدب لتقديمها للطفل.
فيما أكد بعض الحضور على وجود حراك عربي في أدب الطفل العربي وأن هناك حركة جادة تعيد إنتاج أدب الطفل بما يتناسب مع تراثنا وثقافتنا وغيرها.