أوسكار 2019، سيبقى العلامة الفارقة في تاريخ الفن العربي. حفل أكاديمية العلوم والفنون السينمائية الأمريكية والذي بلغ دورته ال 91، حمل إلى العرب حدثين مهمين، وفتح أمام نجومنا وكتابنا ومخرجينا باب الأمل في غد سينمائي أفضل، وقدرة على كسر «التابوه» الذي كان حتى يومنا هذا «عقدة» بلا حل.
الحدث الأول وصول فيلم «كفرناحوم» إلى المنافسة النهائية، وإن خرج بلا أي جائزة، فمجرد الحضور بين هؤلاء الكبار في حفل عالمي يعتبر أهم حدث سنوي في عالم الفن السابع، والحلم الصعب المنال بالنسبة لكل أهل هذه المهنة. والحدث الثاني، فوز رامي مالك بجائزة أفضل ممثل، ليكون أول ممثل من أصول عربية ينال الأوسكار.
أن يصل رامي سعيد مالك، المنحدر من أسرة قبطية أرثوذكسية مصرية هاجرت إلى الولايات المتحدة عام 1978 من مدينة سمالوط التابعة لمحافظة المنيا، إلى الأوسكار، فهذه علامة فارقة بالنسبة للعرب. قليلة المحطات المميزة والتي نالت صفة العالمية بحق في تاريخنا الفني والسينمائي. ولا بد أن يذكرنا مالك بالنجم عمر الشريف الذي انطلق من الإسكندرية ليبهر العالم بأدائه، وينال جائزتي «غولدن غلوب» 1963 و1966 عن دوريه في «لورنس العرب» و«دكتور زيفاغو»، لكنه لم ينل من الأوسكار سوى الترشح لجائزة أفضل ممثل مساند ومنافسة كبار نجوم هوليوود، ثم أصبح واحداً منهم.
لماذا استحق رامي مالك هذه الجائزة بينما لم ينل الفيلم الذي أدى دور البطولة فيه «بوهيميان رابسودي» أو «الملحمة البوهيمية» جائزة أفضل فيلم؟ لماذا حصد مجموعة جوائز عالمية عن نفس الدور، منها «بافتا» و«غولدن غلوب»، فصار فوزه بعدها بالأوسكار متوقعاً، علماً أنه واجه منافسة شرسة أمام كريستيان بايل عن فيلم «فايس»، برادلي كوبر عن «إيه ستار إز بورن»، ويلم دافو «أت إيترنيتيز غايت»، وفيغو مورتنسن «غرين بوك»؟
من شاهد أو يشاهد «الملحمة البوهيمية»، يدرك جيداً أن رامي مالك هو العنصر الرئيسي والسبب الأول في تحقيق العمل النجاح الذي أبهر صناعه، بل يمكن القول إنه أنقذ الفيلم. ولولا أداؤه المتميز، وقدرته العالية على تجسيد شخصية المغني والمؤلف الراحل فريدي ماركوري إلى حد التطابق، فتحسب أنهما واحد وأن بعض المشاهد أرشيفية؛ لولا هذا التألق، وشعبية فرقة الروك البريطانية «الملكة»، والمؤثرات الصوتية، لما حقق العمل أكثر من 854 مليون دولار في شباك التذاكر عالمياً.
رغم حصول الفيلم على 3 جوائز أوسكار أخرى، لأفضل مونتاج صوتي وأفضل «ميكس» خلط أصوات وأفضل مونتاج، إلا أن هذا لا يعني حتماً أن الفيلم قطعة فنية لا مثيل لها، أو أنه سينال إعجابك فتلهث لمشاهدته. أكثر من ساعتين، يسير بك الفيلم في كواليس حياة بطله والعقل المفكر والمحرك لفرقة «الملكة»، فريدي ماركوري (اسمه الحقيقي فاروق بولسارا) المولود لأبوين من الهند، قررا الهجرة مع أسرتهما إلى أمريكا، وكان وقتها في أواخر العقد الثاني من العمر. تمرد على اسمه فغيره رسمياً وتعامل مع الواقع وكأنه يولد من جديد.
أنطوني مكارتن الذي اشتهر بكتابته فيلم «نظرية كل شيء» عن سيرة ستيفن هوكينغ، ينجح مع بيتر مورغن في كتابة سيرة ماركوري، ويغوصان أكثر في الكواليس، والتركيز على صعود الفرقة الموسيقية التي جمعت ثلاثة عازفين ومغنياً واحداً. فرض نفسه الشاب الطموح والذي كان يدرس التصميم، على فرقة مكونة من عازفين براين ماي (غويليم لي) وروجر تايلور (بن هاردي)، تبحث عن مغن. اشتهر بغرابة شكله وطبعه، وجنوحه نحو «الاختلاف» في كل شيء، لدرجة أنه ابتكر أول مزج بين موسيقى الروك والأسلوب والإيقاع الأوبرالي، فولد ألبوم «ليلة في الأوبرا»، وجاءت «الملحمة البوهيمية» كأول أغنية شبابية غربية مدتها 6 دقائق، وحققت للفرقة البريطانية قفزة كبيرة وشهرة عالمية جعلتها تجول الولايات الأمريكية ودولاً كثيرة حول العالم، ويصبح فريدي ماركوري «أسطورة بريطانية».
أهمية فرقة «الملكة» وسبب نجاحها، أنها ولدت لتغني للمنبوذين والمجهولين والمشتتين ولكل فرد باحث عن ذاته، والفيلم يحبه عشاق الموسيقى والروك. صحيح أن رامي مالك عمل تحت إدارة المخرج براين سينغر، لكن موهبته تفوقت على عبقرية سنغر في الإخراج، الذي جاء عادياً، لذا لم ينل فيلمه جائزة سواء كفيلم أو عن فئة الإخراج. الممثل أبهر المنتجين جراهام كينغ وجيم بيتش مدير أعمال فرقة «الملكة» والذي رافقها في كل مراحل صعودها، بإتقانه الشديد للدور، لدرجة أنه أبكى زوجة أحد صديقي ماركوري حين شاهدت الفيلم. تطلب الدور مجهوداً كبيراً، تفرغ له مالك ودرس الشخصية واستعد لها مدة عام قبل انطلاق التصوير.
لم يتنكر رامي مالك (37 عاماً) لأصوله، بل قدم تحية لوالديه ولمصر بعد تسلمه الأوسكار قائلاً: «أنا ابن مهاجرين من مصر، أنا الجيل الأول في عائلتي الذي ولد أمريكياً»، ليوجه من خلال كلمته رسالة إلى الشباب الباحث عن هويته وعن ذاته. كان والده قد شجعه على دراسة المحاماة، لكن حين اكتشف أستاذه موهبته في التمثيل، قدم له دوراً في مسرحية، كانت كفيلة بتغيير مسار الفتى واتجاهه نحو دراسة المسرح في جامعة «إيفانسفيل» في ولاية إنديانا، وبدعم مطلق من والده، وحصل على بكالوريوس الفنون الجميلة عام 2003. انطلق إلى عالم النجومية بعد تجسيده لشخصية إليوت ألديرسون في المسلسل التلفزيوني «مستر روبوت»، وحصل عنه على جائزة «إيمي» عام 2016
الخليج