عائشة سلطان

وكأن العنصرية أصبحت ميزة أو موضة أو خصلة حميدة يتباهى بها البعض أو على الأقل لا يرفضها كثيرون، العنصرية هنا لا تعني التمييز على أساس العرق أو اللون فقط، فللعنصرية أشكال وتوجهات، كما في خطوط الموضة تماماً، ولعلّ نظرة فاحصة للإعلام تحديداً تظهر لنا درجة انتشارها وتفشيها بين الأجيال الصغيرة – للأسف – وكأن العالم لم يناضل قروناً من الزمن، ولم يدفع فواتير مكلفة للخلاص منها، فها هي تعود في أثواب جديدة وبتأييد جماهيري أيضاً.
وسائل الإعلام الحديثة تحمل كل يوم كماً هائلاً من العنصرية في تدوينات الكثيرين، أخبار الصحف تحمل أخباراً تقول بصريح العبارة إن الناس يتجهون أكثر فأكثر للعنصرية، أما أحاديث الناس فحدث ولا حرج، تصنيفاتنا أصبحت عنصرية، نظرتنا، تقييمنا، وحتى قراءتنا للأحداث والتغيرات، لا فرق بين المتعلمين وغير المتعلمين، السود عن البيض، المتدينون عن من يعتبرونهم ليبراليون أو متحررون، وبالأمس تم الاعتداء على داعية سعودي مسلم لسبب عجيب جداً: لأنه أيد قيادة المرأة للسيارة، فماذا لو أيد قيادتها للطائرة أو الذهاب للفضاء على متن مكوك؟!
كلما انعقدت الجلسات ثار الحديث السياسي، وتبارى الناس في النيل من بعضهم، بحيث تتحول الجلسات الحميمة إلى برامج توك شو سياسي، تحليل ونقد واستشراف المستقبل، ولكن على أساس عنصري: فلو تسلم الفريق الفلاني الحكم سيذهب بالبلد إلى داهية، ولو فاز الحزب الفلاني سيدمر البلد، ولو… ولو، وكل ما يقال يعقبه أو يسبقه وصف عنصري للأحزاب والفصائل المذكورة، العنصرية هنا إما دينية أو فكرية أو عرقية أو …، مع أن معظم بلداننا العربية تراوح في وضعية الدمار والخراب منذ قرون قبل أن تتشكل هذه الأحزاب وحتى بعد أن تشكلت، وأمر النهوض لا يضطلع به حزب أو فصيل أو رئيس، النهضة معادلة أكبر من ذلك لكنها بالتأكيد لن تنمو مع عقليات عنصرية أبداً.
في مواقع التواصل الاجتماعي لا يزال الشباب وغير الشباب يتشاتمون ويتحاربون على أساس عنصري، فأوصاف مثل قومي أو عروبي أو علماني أو ليبرالي أو إسلامي أو سلفي أو امرأة أو … قل ما شئت من ألفاظ وأوصاف، لكنك يجب أن تبقى حذراً، فكل وصف في النهاية مشروع جريمة مدبرة مع سبق الإصرار، وتستحق التكفير والتخوين والرجم إن استدعى الأمر، في النهاية لا يؤمن العنصري إلا بلون واحد لأنه مصاب بعمى الألوان من النوع الثقيل، وعليه فهو إما أن يدخل الناس في صراعات يومية لتبديد التهم أو للدفاع عن أنفسهم أو للانسحاب وإيثار السلامة، وللأسف فإن هذا ما يحدث غالباً!
العنصرية ليست داءً ولا اختصاصاً شرق أوسطي، فالغرب ربما أكثر عنصرية، ولولا العنصرية ما حمل هتلر لواء حرب طاحنة قضت على معالم الحياة في أوروبا، لإيمانه بتفوق الجرمان ومثله فعل اليابانيون والإيطاليون وغيرهم كثيرون، وقبلهم فعلت أمم وشعوب توصلت في نهاية تجربتها إلى أن العنصري ينتهي مهزوماً ووحيداً، لا تتقبل بذرته أي أرض ولا ينمو في أي مكان، لا ينمو مع العنصرية إلا الخراب والدمار، لذلك خلق الله الناس مختلفين وسيظلون كذلك إلى أن يرث الأرض وما عليها

– عن الاتحاد