الفجيرة اليوم /  ربما ستبنى الغوطة الشرقية على أبواب دمشق على يد النساء، ذلك أن رجال سوريا الذين طحنتهم الحرب تارة، وهجرتهم تارة أخرى، لم يعودوا قادرين على ملء فراغ ما ذهب من الرجال، في حين تنتظر سوريا الجديدة البناء والعمران.

أم محمد التي امتهنت البناء من أجل البقاء، تلك المرأة المناضلة في الحياة تقوم بأعمال الرجال جنباً إلى جنب مع وزجها. وبين أكوام من الرمل الأبيض والبلوك سيلفت نظرك بلا شك وجود سيدة ترتدي ثوباً بنياً، تنحني بين هذه الأشياء وتحمل بين الفينة والأخرى دفعة من الرمل أو الحجارة وتضعها في رافعة، لتتجه الأخيرة نحو الأعلى، حيث يمكث زوجها عامل البناء. وجود أم محمد بدا غريباً ضمن ورشة للبناء في ريف دمشق التي تحولت إلى أنقاض، اعتاد الرجل على العمل فيها فقط، نظراً لقساوة هذه المهنة وصعوبتها على النساء، ولكن أم محمد قررت تحدي الظروف ومواجهتها وعدم الرضوخ لها، ونزلت للعمل كي تساعد في تأمين قوت يومهم.

تقول أم محمد ا إنها تساعد زوجها لأن الحياة صعبة والمصاريف كثيرة، وتضيف: «العمل مو عيب»، مؤكدة أنه ينبغي على النساء مساعدة أزواجهن، ومساندتهم ليتمكنوا من الاستمرار في الحياة، وعدم طلب العون من الآخرين. . وتعرف أن عملها الحالي مخصص للرجال، وأنه متعب جداً، لكنها تتحمل وتتحدى الظرف، وتتمنى أن تدرس ابنتها وتحصل في المستقبل على عمل محترم، وألا تتعذب في الحياة أو تضطر لخوض عمل صعب كالذي تقوم به هي. تتابع أم محمد عملها وهي تضع كمية جديدة من البلوك، مستجيبة لطلب زوجها، وحينما تنتهي من حمولتها تناديه بصوت عالٍ فيبدأ برفع العربة، وما هي إلا دقائق قليلة حتى ينزل العربة ثانية ويطلب حمولة بمادة أخرى، تتقبل أم محمد الطلب بكل رحابة صدر وتبدأ بجمع البحص ووضعه في المكان المطلوب. وتشرح أم محمد برنامجها وطريقتها في العمل، وتوضح أن أول الدروس التي تلقتها حفظ أسماء مواد البناء كلها والتعرف عليها.

لا يقتصر عمل أم محمد على الورشة فقط، فعند الانتهاء عليها العودة للمنزل وإعداد الطعام والقيام بمهمات التنظيف، بالإضافة لمجالسة أطفالها بعض الوقت، وهي تأسف لتغيبها عنهم لساعات طويلة واضطرارها لتركهم لدى أقاربها لكن ظروفها ترغمها على القيام بذلك.

تحلم أم محمد بالعودة لمنزلها الذي هجرته بسبب الحرب، وأن تتعاون مع زوجها في إعادة ترميمه وتأهيله، وأن يحصل أولادها على منزل يحميهم من برد الشتاء وحر الصيف .

البيان