أدى إعلان النظام الإيراني عن نيته تقليص القيود المفروضة على برنامجه النووي، والذي يحمل في طياته تهديدات، إلى اصطفاف الدول الكبرى الموقعة على الاتفاق، باستثناء روسيا، ضد طهران.
وعلى الفور، وصفت الولايات المتحدة التحرك الإيراني بأنه «ابتزاز نووي لأوروبا». محذرة البنوك والشركات من التعامل مع آلية (الغرض الخاص) التي وضعتها دول أوروبية لتسهيل التجارة مع إيران والالتفاف على العقوبات سعياً من هذه الدول لإبقاء إيران ملتزمة بالاتفاق النووي بعد خروج أميركا منه.
وأعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن عقوبات ضد «صناعات الحديد والصلب والألمنيوم والنحاس الإيرانية» لتشديد الضغط على النظام وهدد باتخاذ إجراءات جديدة إذا لم «تغير طهران جذريا سلوكها».
وبعدما انسحب من الاتفاق النووي مع إيران المبرم في 2015، جدد ترامب في بيان التأكيد أنه يأمل في أن يلتقي «يوماً ما القادة الإيرانيين للتفاوض على اتفاق» جديد. وتعتبر صناعة الصلب ثاني أكبر الصادرات الإيرانية بعد النفط الذي تسعى الولايات المتحدة إلى فرض حظر تام على تصديره.
وقال ترامب إن العقوبات الجديدة: «تستهدف عائدات إيران من صادرات المعادن الصناعية.. وتشكل إشعارا للدول الأخرى بأنه لن يتم التسامح مع دخول الصلب ومعادن إيرانية أخرى إلى موانئها». وحذّر إيران من «عقوبات إضافية ما لم تغيّر سلوكها بشكل جذري».
لكن الرئيس الأميركي أبدى رغبة بالتفاوض مع الإيرانيين قائلاً: «أتطلّع إلى لقاء قادة إيران يوماً ما من أجل التوصّل إلى اتفاق»، وإلى «اتّخاذ خطوات تعطي إيران المستقبل الذي تستحق».
وفي تصريح لـ«الاتحاد»، شدد المبعوث الأميركي الخاص لإيران برايان هوك على أن إرسال الولايات المتحدة حاملة طائرات إلى الشرق الأوسط، هو رسالة واضحة وجلية إلى إيران بأن واشنطن سترد على أي تهديد لحلفائها ومصالحها في المنطقة بقوة لا هوادة فيها.
وفي إجابة عن سؤال لـ«الاتحاد»، قال هوك: «إن واشنطن أرسلت حاملة الطائرات الأميركية أبراهام لنكولن وقوة من القاذفات إلى منطقة الشرق الأوسط بعد تقارير عن تحركات إيران المزعزعة للأمن في المنطقة».
مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لن تبدأ الحرب على إيران، ولكنها مستعدة جيداً للدفاع عن نفسها.. وأضاف: «إذا اختار النظام الإيراني تصعيد سلوكه العدواني، فسوف تقوم الولايات المتحدة بالرد».
وأكد أن الولايات المتحدة سوف تكمل العمل مع أصدقائها وحلفائها بالمنطقة لإعادة الاستقرار. وهي تسعى لمواجهة تهديدات إيران وخططها المزعزعة لأمن المنطقة بمنتهى القوة ولن تكون رهينة لابتزازها ولن تنصاع لتهديداتها.
ووصف هوك إعلان طهران وقف بيع اليورانيوم المخصب والمياه الثقيلة بالتحدي للقوانين الدولية ومحاولة لاتخاذ العالم كرهينة، مؤكداً أن واشنطن تراقب أفعال إيران عن كثب. وستواصل الضغط على هذا النظام حتى امتثاله للقوانين الدولية والتصرف كدولة طبيعية.
وأضاف أن الولايات المتحدة تقف مع الشعب الإيراني في مواجهة نظام يزعزع السلام والأمن ويمنع عائدات النفط التي يحتاجها شعبه لحياة كريمة.
وأعلنت بريطانيا من جانبها أن خرق إيران للاتفاق سيكون له عواقب. فيما حضت ألمانيا طهران على «التطبيق الكامل» للاتفاق. أما فرنسا فقد أعلنت على لسان وزيرة دفاعها أنها لا تستبعد فرض عقوبات في حالة عدم وفاء طهران بالتزاماتها.
وبعد مرور عام على انسحاب واشنطن من الاتفاق، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني، أمس، عن تغييرات قال خبراء إنها «محددة المقدار» لضمان تجنب إيران تفعيل الآلية الموجودة بالاتفاق لمعاقبتها على انتهاكاتها، على الأقل في الوقت الراهن.
وأعلنت إيران أمس، أنها ستعلق بعض تعهداتها في الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع الدول الكبرى رداً على انسحاب الولايات المتحدة منه قبل سنة. وهددت إيران أيضا بتعليق تعهدات أخرى في حال لم تتوصل الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق إلى حل خلال ستين يوما لتخفيف آثار العقوبات الأميركية وخصوصاً في قطاعي النفط والمصارف.
واتهم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الدول الأوروبية بعدم الوفاء بالتزاماتها في الاتفاق بعد انسحاب الولايات المتحدة منه.
يأتي ذلك في أجواء من التوتر المتصاعد بين إيران والولايات المتحدة التي أعلنت، أمس الأول، إرسال قاذفات بي-52 إلى الخليج، فيما اتهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو طهران بالتحضير «لهجمات وشيكة» ضد القوات الأميركية.
وأعلن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن إيران أوقفت اعتبارا من أمس الحد من مخزونها من المياه الثقيلة واليورانيوم المخصب والذي كانت تعهدت به بموجب الاتفاق النووي الموقع في فيينا عام 2015 وفرض قيود على أنشطتها النووية.
وأعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن هذه الإجراءات تتوافق مع اتفاق فيينا الذي يتيح للأطراف الموقعة تعليق بعض تعهداتهم جزئيا أو بشكل كامل في حال الإخلال به من قبل طرف آخر.
والاتفاق النووي الذي صادق عليه مجلس الأمن في قرار، أتاح لإيران الحصول على رفع جزئي للعقوبات. في المقابل وافقت إيران على الحد بشكل كبير من أنشطتها النووية وتعهدت بعدم السعي إلى امتلاك السلاح الذري.
لكن الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاق قبل سنة، أعادت فرض عقوبات على إيران ما أضر باقتصادها وعلاقاتها التجارية مع الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق.
إلا أن الأوروبيين والصين وروسيا أبقوا على التزامهم بالاتفاق وسعوا، بلا جدوى، لإعطاء ضمانات لطهران تسمح بالالتفاف على العقوبات.
وأمهل المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني هذه الدول «60 يوماً» لكي تجعل «تعهداتها عملانية وخصوصا في مجالي النفط والمصارف».
وحاول الاتحاد الأوروبي وضع آلية لإفساح المجال لإيران لمواصلة التعامل تجارياً مع الشركات الأوروبية.
وأضاف المجلس الأعلى أنه «بعد انتهاء المدة، إذا لم تستطع تلك الدول تأمين المطالب الإيرانية فستكون المرحلة التالية هي إيقاف المحدوديات المتعلقة بمستوى تخصيب اليورانيوم والإجراءات المتعلقة بتحديث مفاعل الماء الثقيل في أراك».
واعتبر وزير الخارجية الأميركي الذي يزور لندن أن إعلان إيران تعليق تنفيذ بعض تعهداتها في الاتفاق «ملتبس في شكل متعمد وعلينا أن ننتظر خطوات إيران الفعلية» قبل تحديد الرد الأميركي.
وبعيد لقائه نظيره البريطاني جيريمي هانت، أثار بومبيو موضوع آلية «دعم المبادلات التجارية» (إنستيكس) التي أطلقتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا هذا العام والتي تسمح للشركات الأوروبية بمواصلة التعامل مع إيران من دون تعرّضها لعقوبات. وتابع: «لقد تحادثنا مع المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا حول إنستيكس»، مضيفاً: «هناك ترتيبات في العقوبات التي فرضناها تسمح بدخول المساعدات الإنسانية ومنتجات أخرى إلى البلاد».

الاتحاد