أكد معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بالحفاظ على استقرار المنطقة.
وجاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها معاليه أمام منتدى الأمن العالمي “غلوبسيك” المنعقد حالياً في جمهورية سلوفاكيا.
وقال معالي الدكتور أنور قرقاش في كلمته، إن “التزام دولة الإمارات العربية المتحدة يأتي بوصفها شريكاً في عملية التنمية والاستقرار في العالم العربي”، مشيراً إلى أن “الدولة قدمت مساعدات قيمتها 25 مليار دولار لدول المنطقة خلال الأعوام الخمسة الماضية، أي ما يمثل أكثر من ثلثي ميزانيتها للمساعدات الخارجية”.
وأوضح معاليه موقف دولة الإمارات العربية المتحدة إزاء مختلف قضايا المنطقة، مشدداً على ضرورة توفر دعائم الاستقرار والتنمية الاقتصادية والمناخ السياسي المعافى والأمن الرادع. ودعا إلى تبني سياسات تشجع الاعتدال والتسامح وتنبذ التطرف. وأشار معاليه إلى أن من يعيشون في المناطق الأكثر استقراراً لا ينبغي أن يستهينوا بقيمة هذا الاستقرار.
وقال في هذا الإطار: “لا بد من توفر دعائم أساسية للاقتصاد والسياسة. وعليه، فإن المنطقة لابد أن تتمتع بقدر من الاستقرار، فالحروب المتواصلة تولّد التطرف، أما الثورات والتغيرات الراديكالية والمفاجئة في السلطة، تثير نوعاً من التفاؤل والحماسة لدى المراقبين من خارج المنطقة، ولكن تكون نتائجها مقلقة ومؤلمة وخطيرة لأولئك الذين يعيشونها ويشعرون بوطأتها، وهي تؤدي في معظم الأحيان إلى تقوية شوكة التطرف وإذكاء الصراعات الداخلية”.
وأضاف معاليه: “إذا ما استطعنا توفير الاستقرار، فيمكننا حينها أن ننتقل فيما بعد إلى مرحلة آخرى في تلبية احتياجاتنا، وعلى الأساس المتين للاستقرار يمكننا أن نشيّد صرحاً من الاعتدال والتعاون، وهو شيء يمكن تحقيقه، ودولة الإمارات العربية المتحدة مثال حي لذلك”.
وسلّط معالي وزير الدولة للشؤون الخارجية الضوء خلال كلمته على النجاحات الاقتصادية والعلمية والثقافية التي ظلت دولة الإمارات العربية المتحدة تحققها في الآونة الأخيرة، مثل زيارة قداسة البابا فرانسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية هذا العام، وإطلاق مسبار إلى المريخ العام المقبل، واستضافة معرض “اكسبو” العالمي في دبي عام 2020.
وأكد معاليه أن أهمية إطلاق المسبار الإماراتي للمريخ تكمن في الرسالة التي يحملها للعالم، وهي أن الدول العربية بمقدورها أن تكون متطورة وذات أفق عالمي وتطمح مثل الآخرين لرفاهية شعوبها، رغم حالة عدم الاستقرار المزمنة في المنطقة.
وقال: يأتي مشروع مسبار الأمل في جوهر المساعي المتواصلة لدولة الإمارات لتحقيق قصص نجاح، وكذلك لتلبية التطلعات ونشر الروح الإيجابية، ما يساعد على دحض الانطباعات النمطية وعلى إلهام منطقتنا وإعانتها للوقوف بحزم في وجه الأفكار “الوحشية” والمتخلفة والتي تحاول جر المنطقة نحو القاع.
وأكد معالي الدكتور أنور قرقاش، أن “دولة الإمارات على قناعة تامة بأن السياسات الإيرانية تضر بالعالم العربي”، وأن “الاتفاق النووي مع إيران لم يكن ملائماً للمهام التي أعد من أجلها”.
وقال في هذا الصدد: “جاء الاتفاق النووي الموقع في 2015 كتتويج لجهود صادقة، هدفت للتعامل مع أهم بواعث القلق من التصرفات الإيرانية، إلا أن الاتفاق ومن وجهة نظرنا في المنطقة، لم يتناول بالحل البرنامج الخطير للصواريخ الباليستية أو سياسات إيران في المنطقة، والتي تشمل التدخل في العراق وسوريا ولبنان، ودعمها للقوى التي تعمل لصالح ايران بالوكالة مثل جماعة حزب الله الإرهابية”.
وأضاف معاليه أن “الاتفاق لم يؤد إلى أن تتحول إيران لدولة مسالمة وطبيعية، إذ نواجه اليوم تصعيداً في المنطقة ونبرة خطاب عدوانية من إيران، والتي ما زالت تستخدم المذهبية كوسيلة لإقحام نفسها في العالم العربي”.
وقال معاليه: “لقد اتسم رد فعلنا بالهدوء وبالسلمية، والتزمنا بشكل كامل بالعقوبات الأميركية التي نأمل أن تغيّر من السلوك الإيراني إلى الأفضل، كما إننا أبدينا استعدادنا للتعامل مع إيران بشكل أكثر إيجابية، فعندما عانت إيران من الفيضانات في وقت سابق من العام الجاري، بادرنا بكل طيب نفس إلى تقديم المساعدات الإنسانية إلى الضحايا”.
وفي ما يتعلق باليمن، أكد معالي الدكتور أنور قرقاش التزام الإمارات بالوصول إلى حل سلمي للصراع الدائر، وإنهاء كل المواجهات المسلحة، على الرغم من الانتهاكات الحوثية والممارسات التي يقومون بها، مثل سرقة إمدادات الأغذية وحرمان الشعب اليمني منها، وهو الأمر الذي وثقته تقارير برنامج الغذاء العالمي. وأكد أن دولة الإمارات تعمل بشكل جاد مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتحقيق تقدم على الصعيد السياسي.
وأشار معاليه إلى الأحداث الجارية في السودان وليبيا، ملقياً الضوء في هذا الصدد على الدروس التي يجب تعلمها من فترة ما يسمى “الربيع العربي”، مؤكداً في هذا الصدد أن “الدول ينبغي لها أن تلبي رغبة شعوبها، وفي الوقت نفسه يجب عليها ضمان الاستقرار المؤسسي للدولة”.
وأعرب معاليه عن أهمية الانتقال السياسي السلمي في السودان، والذي يوازن بين ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة والمطالب الشعبية، ويرى أن الحوار هو السبيل الوحيد للخروج من الأوضاع المعقدة الحالية. وأبدى قلقه من الخسارة في الأرواح، مؤكداً تأييده للتحقيق الشامل الذي أعلنت عنه الحكومة. وأضاف: “يبقى دورنا مسانداً لاستقرار السودان”، ومؤكداً على “ضرورة الحوار بعد ثلاثة عقود من ديكتاتورية البشير والأخوان المسلمين”.
وقال في هذا الصدد: “التحدي الأكبر في تلك الدول كما نراه نحن من واقع تجربة الربيع العربي، هو العمل على إحداث التغيير الذي يريده الشعب، وفي الوقت نفسه ضمان الاستقرار المؤسسي للدولة”.
وتحدث الدكتور قرقاش عن التحولات التي وقعت في أوروبا الشرقية في فترة التسعينيات، إذ أشار إلى أن ثمة فرقاً كبيراً بين ما حدث في الشرق الأوسط وبين الثورات التي وقعت في أوروبا الشرقية، حيث كان الإرث الديموقراطي موجوداً بالفعل من قبل وقوع ذلك التحول، ولم يكن هناك وجود للتطرف الديني العنيف، وفي الوقت نفسه قام حلف شمال الأطلسي بتوفير المظلة الأمنية، ووعد الاتحاد الأوروبي بضمان الرخاء الاقتصادي.
ولفت معاليه إلى أن دولة الإمارات دعمت عمليات حفظ السلام في منطقة البلقان بعد حرب البوسنة والهرسك في أواخر عقد التسعينيات.
وقال معاليه: “أما في منطقتنا، فإننا بحاجة إلى رحلة أطول ومختلفة في طبيعتها.. فتجربة الإمارات بشأن مسيرة التنمية الحاصلة في الدولة، وفي المنطقة ككل، تخبرنا أن التغيير في منطقتنا يجب أن يأتي عبر التطور”.
وأضاف: “وهذا لا يمثل عذراً لعدم فعل شيء، وإبقاء الحال على ما هو عليه، فنحن يتعين علينا أن نعمل بجد من أجل خلق نموذج مؤثر للحوكمة والإدارة، ويجب أن يكون هذا النموذج قادراً على الصمود في مواجهة تحديات الزمن، لا يجب بالضرورة أن يكون هذا النموذج أوروبياً أو مثل نظيره في الشرق الأقصى على مستوى الطموحات وإنما يتعين أن يكون نموذجاً يحقق العدل وخلق الفرص والرخاء الاقتصادي”.
وأكد معالي الدكتور أنور محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، أهمية التعاون بين دولة الإمارات ودول الاتحاد الأوروبي من أجل تبادل الخبرات والتعلم من دروس الماضي سوياً، ومن أجل زيادة الرخاء الاقتصادي والتنمية والأمن المشترك.
يذكر أن حجم التبادل التجاري بين دولة الإمارات ودول الاتحاد الأوروبي يصل إلى نحو 50 مليار يورو سنوياً، وبدأت الإمارات المشاركة في التدريبات العسكرية البحرية المشتركة مع سفن حلف “الناتو” في 2008، والآن تتولى الإمارات دور المراقب في الحلف.
وفي عام 2018 وقعت وزارة الخارجية و التعاون الدولي اتفاقية تعاون من أجل تعزيز الحوار السياسي والتنسيق الاستراتيجي حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
المصدر: وام