نورة السويدي
وسط ترحيب دولي وإشادات عربية ومحلية، خرج قرار دولة الإمارات بإدراج أكثر من ثمانين منظمة على لائحة الإرهاب، وحددت بالأسماء المفصلة هذه الجماعات ومراكزها، ووضعت النقاط على الحروف في ما يتعلق بالتعامل معها، في توجه إماراتي ينسجم تمام الانسجام مع التوجه العالمي والعربي في مكافحة ظاهرة الإرهاب، التي باتت تقض مضاجع الناس وتحطم أنسجة المجتمعات وتهدد بالخراب والدمار وتنذر بالشرور أينما حلت.
الإرهاب ظاهرة عالمية بلا شك، وليست مرتبطة بدين أو إثنية أو طائفة، لأنه يتفجر من عقول مغلقة أحادية النظر، لا تقبل الآخر ابتداءً، فضلاً عن أن ترضى بوجوده قسيماً لها في العيش معاً، وبناء المجتمع، كما أنها لا تؤمن بمبدأ الحوار ما دام لا ينسجم ولا يتفق مع مسلماتها التي لا تقبل النقاش، حسب رأي المؤمنين بهذه الأفكار المتطرفة.
ولذلك كان الإرهاب عدو الإنسانية الأول، لأنه يحارب أسمى ما في الإنسانية من قيم الحرية والأمان، ويحاسب الناس على أفكارهم، لا لسبب مقنع ولكن لأنهم فقط لا يتبنون الفكر الذي يتبناه، ولا يسيرون وفق النهج الذي يرضاه، ولا يقبلون داخل أسوار مجتمعاتهم إلا بالفوضى التي تتيح لهم نشر أسوأ ما يمكن أن تفرزه العقول المختلة عبر الدمار والخوف وقمع الحريات.
الإنسان مدني بطبعه، كما يؤكد ذلك أهل الاختصاص في علوم الاجتماع، ولا حياة ولا نمو لأي تجمع بشري إلا إذا كان قائماً على احترام الآخر والتعايش معه، والقبول بأفكاره وتصرفاته، ضمن القواسم الاجتماعية المتفق حولها والمتعارف عليها، شرعاً أو اتفاقاً دستورياً ينظم حياة الناس، ووفق مواثيق أخلاقية تربط أجزاء المجتمع من جميع أطرافه، ولا تقبل النيل من ثوابته ومبادئه.
هذا النسيج الاجتماعي المشكل للتجمع البشري، والذي قد يتطور إلى دولة كما حدث عبر التاريخ، لا يمكن أن يصونه إلا سياج من ضمان الأمن والحرية، فهما الكفيلان بشيوع مبدأ التعايش والتكامل الاجتماعي على أبهى صوره، والتشارك في البناء والعطاء للوطن والدولة والمجتمع، ضمن هذه المنظومة الفكرية المنفتحة على الآخر.
أما إذا حكم البعض أفكار الإقصاء والنخبوية والتمييز الاجتماعي ورفض الآخر المخالف، بل وإجباره على التفكير والنظر وفق منظوره الخاص، فإن ذلك سيكون التربة الخصبة للتنازع، وينذر بتحطم النسيج الاجتماعي، بل قد يهدد الدولة كلها إذا سمحت له بالنمو.
ومن هنا كانت الخطوة الاستباقية التي اتخذتها دولة الإمارات بلائحة التنظيمات الإرهابية المرفوضة اجتماعياً، قبل أن تكون مرفوضة حكومياً، لأنها تهدد النسيج الاجتماعي لأبناء الوطن والمقيمين على أرضه، كما إنها تفتح الباب على مصراعيه أمام الفوضى التي نرى ما فعلته في بعض الدول، تحت شعارات عاطفية مغلوطة، تتستر باسم الإسلام لتمرير مخططات تخريبية لا يرضى بها أي دين، فضلاً عن أن يعترف بها الإسلام.
فمتى كان التخريب من الإسلام وهو الذي جاء بالبناء والعمران، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسيلة فليغرسها»؟..
أي حب للحياة والعمران يفوق هذا الوصف؟ وأي كره للتخريب والدمار يمكن تخيله لمن يحمل مثل هذه الأفكار البناءة الخيرة؟! ومتى كان ترويع الناس من الإسلام، والأمن والسلام اسمان ينتميان إلى عائلة لغوية كريمة كان منها الإيمان والإسلام، والسلام شعار الإسلام والأمن أعظم منَن الله عز وجل على البشر! فلا يمكن أن نفهم الإرهاب على أنه من الإسلام أو من أي تشريع أخلاقي سماوي أو أرضي، ما دام لا يتفق مع ثوابت الإنسان وكرامته ومبادئه.
– البيان