تكتسب العلاقة بين الفن والجمهور أهمية بالغة عندما يتعلّق الأمر بتعميم التذوّق الجمالي، والوعي الثقافي، وتحرير المعرفة من إطارها الأكاديمي البحت، وبالتالي يمكن للفن أن يتنفّس ويشعّ ويوصل مضامينه وأهدافه ورسائله للمجتمع في عملية تبادلية وإيجابية بين الرؤى والأفكار ووجهات النظر المختلفة، فالأعمال الفنية عموما لا يمكن لها أن تخضع للفحص والمعاينة والنقد، دون انطباع يبديه المتلقّي، سواء كان هذا المتلقي متخصصاً في مناهج الفن وتياراته ومدارسه وله نظرته النقدية المستقلّة، أو هو مجرّد هاو محب للفنون وشغوف بنتاجاتها المتنوعة والمترجمة إلى صور توثيقية أو لوحات تجريدية، أو إلى أعمال تركيبية ونحتية، أو أعمال مفاهيمية معاصرة، وأخرى تقليدية وكلاسيكية.
وفي هذا السيّاق يوضح لنا الفنان التشكيلي الدكتور محمد يوسف ـ الأستاذ المساعد بكلية الفنون الجميلة والتصميم في جامعة الشارقة ـ أن التخصص في مجال الفن يحتاج بجانب الموهبة والشغف الذاتي لعدّة أكاديمية ولاشتغال حقيقي على مشاريع ذات بعد شخصي يجعل الفنان في النهاية ممتلكا لخطابه الخاص الذي يميزه عن الفنانين الآخرين، وأردف الدكتور محمد يوسف قائلاً: «ورغم ذلك فإن على الفنان التواصل مع قطاعات مختلفة تتلقى أعماله وتتفاعل مع نتاجاته، وذلك لاستشعار الحساسيات والانتباهات والقراءات المتنوعة من هؤلاء المتلقين، ولإثراء الجانب المتعلق بالرؤية النقدية والانطباعية، وإقحام الجمهور في المغامرة التعبيرية والتجريبية التي يصدّرها الفنان من خلال صناعته النوعية القابلة للتأويل، واختراق الحدود الافتراضية لعزلة الفنان أثناء إنتاجه لعمله الفني».
وفي سؤال حول تجربة كلية الفنون الجميلة والتصميم بجامعة الشارقة في التواصل مع الجمهور، أوضح الدكتور محمد يوسف أن هيئة التدريس في الكلية تحرص كثيراً على تجاوز حدود العمل الأكاديمي، ونقل أعمال الطلبة في التخصصات الفنية المختلفة خارج أسوار الجامعة، فعلاوة على الاشتغال الفني القائم على مناهج ومدارس واتجاهات فنية معينة، فإن إدارة الكلية – كما أشار – تسعى دوما لخلق علاقات ووشائج مع فئات المجتمع المختلفة، وربط العمل الفني بالعمل الاجتماعي، ضمن خطوات تكاملية تسعى أساسا للجمع بين الجانبين النظري والتطبيق فيما يتعلق بالتخصصات التي تطرحها الجامعة، مثل الفنون الجميلة، وفنون الغرافيك، والتصميم الداخلي، والعمارة، والأزياء.
وأكدّ يوسف أن معظم المعارض التي أقامتها كلية الفنون الجميلة والتصميم بجامعة الشارقة كان هدفها تخطي حاجز المكان الاعتيادي للطالب في بيئته الدراسية، وتحقيق المشاركة المجتمعية، من أجل التواصل مع الفعاليات والمؤسسات الخدمية المختلفة في بيئة جديدة يمكن للطالب خلالها التعرف على وجهات نظر متعددة، والاطلاع على ردات فعل المتلقين لأعمالهم، وإكساب الطلبة بالتالي خبرات عملية عند مواجهتهم للجمهور وصنع فرص جديدة أمامهم لتطوير مهاراتهم ومواهبهم الفنية.
وعن كيفية استثمار كليات الفنون والمعاهد التخصصية لطاقات والطلبة والفنانين وتهيئتهم لسوق العمل، أشار الدكتور محمد يوسف أن هذا الجانب مهم جداً، في وضع الخطط والاستراتيجيات التعليمية في جامعة الشارقة بشكل عام، وفي كلية الفنون الجميلة والتصميم بشكل خاص، مضيفاً أن تفاعل الطلبة مع محيطهم الخارجي وتعرفهم على متطلبات سوق العمل، يجعل الطريق أمامهم ممهّدا لممارسة الأعمال المهنية المنسجمة مع تخصصاتهم، وبالتالي فإن مفهوم : «التغذية العكسية» بين الجامعة والمجتمع، يصبح مفهوما قابلا للتطبيق بشكل أسهل وأسرع، مقارنة بالاستراتيجيات التعليمية المنعزلة والمنغلقة داخل غرف الدراسة والمختبرات والورش.
ونوّه يوسف إلى أن العلاقة بين الكليات والمعاهد الفنية المتخصصة، وبين المجتمع، يجب أن تشهد تفاعلاً أكبر وحضورًا أكثر إيجابية لتحقيق المصلحة المشتركة للجميع، وتأمين مستقبل الطلبة مادياً ومعنوياً أيضا، من خلال استقطابهم وتهيئة المناخ الصحي والسويّ لخلق منصات عرض مفيدة لهم وتخدم في ذات الوقت إرثنا وذائقتنا وذاكرتنا الجمعية، الآن وفي قادم الأيام.
الاتحاد