أقام مجلس الحيرة الأدبي، التابع لدائرة الثقافة في الشارقة، ندوةً عن إحدى أبرز رائدات الشعر النبطي في الإمارات، الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي، تضمنت قراءة جمالية لنصوص «فتاة العرب»، واستذكاراً لمسيرتها الإبداعيّة وخصوصيّة المكان لديها، في أشعارها التي حافظت فيها على الإيقاع واللغة الشعريّة، وظلّت مخلصةً للهجة الأصيلة ذات المعاني المبتكرة والسلسة، الزاخرة بالصور والاستعارات المدهشة التي أبدعتها الشاعرة المولودة في مدينة العين في أبوظبي عام 1920، وودعتها الإمارات والخليج والعالم العربي أواسط العام 2018.
شارك في الندوة، التي حضرها مدير مجلس الحيرة الأدبي الشاعر والإعلامي بطي المظلوم، وجمعٌ من الشعراء والشخصيات الأدبيّة والثقافيّة والنقدية والأكاديمية والإعلاميين، كلٌّ من الدكتورة رفيقة بن رجب من البحرين، والباحث والإعلامي العراقي مؤيد الشيباني الذي وقّع نسخاً من كتابه «بحر عوشة.. المكان في شعر فتاة العرب»، والباحث السوري الدكتور أحمد عقيلي، والباحث والإعلامي الأردني إبراهيم السواعير.
وطالع الحضور كتاباً أصدرته دائرة الثقافة – مجلس الحيرة الأدبي، حرره، وقدّم له كاتب هذه السطور بعنوان: «رؤية القصيدة»، واستهلال حول «عوشة النفس الشعريّ الأصيل»، ومواضيع أشادت بديوان الشاعرة التي تُعدّ نموذجاً في صياغة خصوصيّة المكان الإماراتي من خلال الشعر.
وتخللت الندوة، مداخلة للمظلوم قدم فيها شرحاً لقصائد قديمة للشاعرة السويدي، ملقياً الضوء على فترة هذه القصائد وأشهر الفنانين الذين غنوها، كما قدم المظلوم بصوته شلات من أشعار السويدي حازت إعجاب الجمهور وتفاعل معها. وقرأت الشاعرة مريم النقبي عدداً قصائد الشاعرة عوشة، بالإضافة إلى قصيدة كتبتها في رثائها.

احتراف المجاز
انطلقت الدكتورة رفيقة بن رجب من أنّ الشاعرة عوشة هي بلا منازع أيقونة من الإبداع في الخطاب الأدبي على الساحة الخليجية بشكل عام. فهي ذات حضور كبير من السجال وتداعياته، لأنها تحرص دوماً في نصوصها على الوصول بنا إلى نبض النص الذي نتغلغل في ثناياه لمواجهة صخب الحياة، ولتحقيق ذاك التمازج والمثاقفة بين الباحث والمتلقي، لتحقيق التواؤم الإيجابي الخلاق بمنظور جمالي يسجل ملامح البنية الدلالية بوضوح تام.
وقالت الدكتورة بن رجب: إنّ الشاعرة عوشة تستخدم المجازات بشكل احترافي لافت، وكأنما هذه الوسائل جاءت لديها لاستكمال الخطاب النقدي، بغية الوصول إلى الرمز المحوري على مدار النصوص، لتخلق بهذا تماهياً مع السياقات التي تحاكي نبض النص لتأسيس علاقات تركيبية تنداح دون تخبط أو عشوائية.
كما قرأت الباحثة تقنية الحوار الداخلي لدى السويدي، حيث يظهر البوح كحوار مع الذات، ليحمل حزمة من الشعور المتولد من سياق الموقف، ما يجعل النص محملاً بالدلالات الإبداعية المتجذرة في عمق التجربة الشعورية في تواصل نسقي مهم للمتلقي. وقالت إنّ الشاعرة المتميزة عوشة السويدي سطرت تاريخ الأدب بديناميكية ليست مألوفة ولا مكرورة.

حمولات معرفية
وفي ورقته الموسومة بـ «خصوصية المكان في شعر فتاة العرب»، قارب الباحث الأديب مؤيد الشيباني بين مفردة المطر والمكان عند الشاعرة عوشة السويدي وشعراء مشهورين، منهم المتنبي والسياب وسعيد عقل ورسول حمزاتوف، متناولاً دعاء الشاعرة عوشة للمحبين بالمطر والخصب، ودارساً صورة المطر وبالمقابل صورة الدموع عند «فتاة العرب» التي تأخذ موضوع المطر مادة أساسية في شعرها.
وتوقف الشيباني في ديوان الشاعرة عوشة عند ذلك الكم الهائل من الدلالات والمضامين والرموز الثقافية، بمعطياتها المكانية والتاريخية والاجتماعية على شكل مفردات وصور شعرية ثابتة في مكانها فنياً، وسابحة في فضاء المعرفة موضوعياً، فهي صاحبة تلك المفردة الإماراتية بكامل طاقتها على التعبير، وصاحبة الصورة الشعرية بأبعادها الثقافية والتاريخية والمكانية، وأيضاً هي صاحبة النبرة العاطفية في الحنين والكشف عن المعاناة والفقد والترحال والترحيب وغيرها من المناخات الشعرية، التي يحفل بها الديوان.

ريادة وتجديد
وقال الناقد الدكتور أحمد العقيلي: إنّ الشاعرة عوشة السويدي هي أيقونة التراث، بوصفها صوت الشاعرة الأنثى في وقت كان من الصعوبة بمكان أن يكون للمرأة حضورها الشعري في ظل الحضور الذكوري القوي، فكانت قصائدها مرآة تعكس قيم وتقاليد المجتمع بأسلوب بديع ولغة رشيقة.
ورأى العقيلي أنّ الشاعرة عوشة رائدة من رواد الشعر النبطي الخليجي، وتمثّل مرحلة انتقالية مهمة في رحلة الشعر النبطي، هذه المرحلة التي مثلت الخروج عن دائرة التقليد إلى دائرة الإبداع والتجديد التي ابتدأها الشاعر راشد الخضر، وقد لعبت دوراً مهماً في إيصال القصيدة الإماراتية إلى أماكن شتى، متجاوزة حدود الزمان والمكان. كما درس العقيلي الرمز والصورة الفنية واستخدام المجاز والمونولوج والعمق الفلسفي في البناء الشعري للشاعرة، وهو ما يسمى بالحوار الداخلي الشعري، كأسلوب إبداعي مميز في بناء القصيدة الشعرية.

رحابة الشعر
ورأى الشاعر والإعلامي إبراهيم السواعير أنّ الشاعرة عوشة السويدي قد خرجت من إطار تمثيل الأنثى إلى رحابة الشعر؛ فلم تكن مجرّد شاعرة مثّلت صوت المرأة في فترة تاريخيّة معيّنة، وأظهرت مكنونها الذّاتي على مستوى الإمارات أو الخليج أو المنطقة العربيّة، بل لقد خرجت «فتاة الخليج»، ولاحقاً «فتاة العرب»، من هذه البوتقة الضيّقة التي ربّما تضعها في حيّز ضيّق تجاوزته لتضع اسمها على خريطة الشعر الإنسانيّ؛ وذلك لجودة الصور الفنيّة وقوّتها لدى السويدي التي لو تُرجمت أشعارها إلى الأمم والشعوب الأخرى لوجدنا أنها ستحتفي بها كمشروع شعري إنساني كشف مبكراً عن لواعج الإنسان وخلجاته، وتمنّياته وأحلامه التي تشترك مع كلّ أحلام بني الإنسان في العالم، مع خصوصيّة للمكان الإماراتي، في لغة شعريّة رفيعة المستوى وعالية المزاج، لشاعرة زادها رونقاً وبهاءً ما ظلّت محافظةً عليه من نور إيماني ومسحة دينية لم تمنعها من أن تتداول المفردة الأصيلة فتخلق منها أروع التماثيل والصور والفلسفات الإنسانيّة؛ فكانت سيرةً غنيّة لمبدعة مطبوعة على الشعر وانزياحاته النفسيّة وأفكارها التي لا تقلّ عن أيّ ديوان شعرٍ عالمي.

توصيات الندوة
1- إدخال نصوص الشاعرة عوشة السويدي في المنهاج المدرسي والجامعي مادة للتذوق.
2- نقل قصائدها إلى عالم الصورة من خلال البرامج والوثائقيات التلفزيونية.
3- تتبع ما كتب من أشعارها على الإنترنت وتصحيح أخطاء الطباعة وقلب الحروف، خصوصاً لدى الشباب والهواة والجمهور غير المتخصص.
4- التوسع بعمل دراسات جادة عن شعرها.

الاتحاد