«الغرافيتي» فن التلاعب بشخوص وتراكيب الأفكار، التي تضج روحها ببريق الألوان، عاكسةً ألق الحياة ونقيضها، ولم تنفصل يوماً عن الإنسان كونه شعاراً لها، لها رسائلها المغلفة بالمنطق والحكمة ومواكبة روح المدينة، لتخترق ببساطة قلب المشاهد وعقله، بضربة ريشة على جدران زينتها من سواعد شبابية من حول العالم، وباتت رقعة شهرة هذا الفن أكثر انتشاراً بفضل الوسائط التفاعلية التي أسهمت في نقل رحلة تلك الفنون المتجولة في شوارع وأزقة مدن العالم شرقاً وغرباً، مروراً بدولة الإمارات التي أهدت عشاق هذا الفن أجمل تصاميمه، ودعمها للمواهب الإماراتية الشابة، التي صنعت حراكاً فنياً مجتمعياً منغمساً بروح الهوية الوطنية، ومواكباً لتطورات الفنون المعاصرة من منظوره ورؤيته المعبرة عن مستقبله الواعد.

فن فريد

ويؤكد خليل عبدالواحد، مدير إدارة الفنون التشكيلية بهيئة دبي للثقافة والفنون، أن «الغرافيتي» من الفنون المعاصرة المتفردة بأفكارها وموضوعاتها المرتبطة بالذائقة الفنية والهوية الثقافية لمن يرسمها على الجدران، فهو فضاء مفتوح على كل أبجديات الفنون التشكيلية التي باتت الإمارات ودبي أحد أهم فضاءاته ذات التأثير القوي لملامح المعاصرة، والتعبير الحر، المستوحى من الثقافة المحلية وعوالمه في أنحاء العالم كافة، والتي في كثير من الأحيان تخلق حالة من الوعي حول أهمية الحراك الثقافي المجتمعي، الذي بات يحيط بالمدينة ويمنحها الكثير من البريق والجاذبية.

نهج فلسفي

ويوضح خليل أنه من الفنون الشعبية المعاصرة يمثل بكل أشكاله التعبيرية مستقبل وتتطور أنماطه المعتمدة على عمق الفكرة والمضمون، الذي يجنح في تبني النهج الفلسفي بشقيه الجاد والساخر، فجميع ما يقدم من ورش ومعارض مفتوحة وفعاليات في دبي، هو لإثراء الذائقة البصرية والنقدية للجمهور المتلقي، وتمرير تجارب وتراكيب شخصية للفنانين.

قوالب بصرية

وتعتقد فنانة «الغرافيتي»، فاطمة الحمادي، التي شكلت أول فريق إماراتي لفن «الغرافيتي»، أنه طالما كان الإنسان والمجتمع وقضاياه أهم محاور الارتكاز في تقديم الأعمال بقوالب بصرية في المحيط الفني، تمثل معانٍ إنسانية يشترك البشر فيها بنسب ودرجات متفاوتة، بما يحقق المعادلة الصعبة بين الشكل والمضمون بقوة الفكر وعمق المعني في زمن التحولات.

وتقول: إن فنون الشارع في الإمارات منحت المواهب الشابة جدارياتها باعتبارها المختبر الإبداعي المفتوح، الذي يمتلك حرية التعبير والنقد وتقبل ضبابية الذائقة الفنية المتغيرة، وهو حال المجتمعات المشرعة أبوابها على تقبل فنون وثقافات العالم، وهو سر نجاحنا كوننا أول فريق فني «فناني غرافيتي الإمارات» بداية من دخولنا موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية بأطول لوحة جدارية مثلنا فيها الإمارات، ومشاركتنا في فعاليات ثقافية وفنية منها، «ساعة الأرض بدبي وعجمان ترسم عجمان واليوم الوطني بأبوظبي ويوم العالم لمطار دبي والشهر العالمي للتوعية بسرطان الثدي بالعين ومهرجان دبي للتسوق»، وتسجيل أكبر لوحة فنيه منفذة «بتقنية الاستانستيل» في «غينيس» بمعرض «كوميكون دبي».

رموز الهوية

وحرص الفنان الإماراتي سقاف الهاشمي، على عكس تقاليد المنطقة عبر أعماله المشتركة مع فنانين آخرين، وتزيين جداريات شارع جميرا بدبي، لعكس مجتمع المدينة قديماً وحديثاً، فيقول: في لوحتي الأولى، امرأة كبيرة في السن، تُمشط شعر فتاة صغيرة بأسلوب تقليدي، بينما تنظر بسعادة إلى فراشة بنفسجية اللون، ومن هذا المنطلق، أردت أن أظهر الحياة القديمة والجديدة، خاصة أن الفراشة هي بمثابة رمز للحياة العصرية.

نقطة تحول

ويضيف الهاشمي: تم تنفيذ المشروعات الفنية بدعم من مبادرات «براند دبي»، بقصد تحويل المنطقة إلى متحف فني مفتوح، في إطار «مشروع جدران دبي»، واجتمع 16 فناناً عالمياً من فناني الشوارع مثلوا قارات العالم المختلفة ليبدعوا فناً جميلاً يزين جدران بيوت ومنشآت دبي، ليحولوا جدران «سيتي ووك»، إلى لوحات جدارية رائعة تجذب الزوار والسياح، تحاكي الثقافة العربية وتراث وتقاليد وعادات وتاريخ الإمارات.

نافذة عالمية

ويؤكد الفنان، حميد النعيمي، أن البهجة والمتعة البصرية طالما حزمت حقائبها بين الريشة والألوان، ففنان «الغرافيتي» لا يحتاج إلى عنوان أو اسم ليؤكد شخصيته، فكل ما يقدمه بمثابة بطاقة تعريفية لموهبته الفنية التي تستقطب اهتمام من حوله، وعلى النطاق الشخصي كانت لي تجارب محلية ضمن فعاليات معرض «سكة»، وقدمت لوحتي التي تقدم جانباً آخر من الشخصية الخيالية «كاسبر»، وعلى نطاق المشاريع العالمية، فلديّ شراكات أهمها مع شركة «هيرميس التجارية» ومعرض في موناكو وسفارة الإمارات في باريس ومعارض في هونغ كونغ والولايات المتحدة.

نموذج مبتكر

وتقول فاطمة الجلاف، مدير قسم المسرح، رئيس اللجنة المنظمة لمهرجان دبي لمسرح الشباب: يلقي فن «الغرافيتي» رواجاً كبيراً في العروض المسرحية الشبابية بالعديد من المواسم، امتزج بشكله وأفكاره مع جميع اتجاهات الديكور المسرحي، التي تؤمن بأن قيمة العمل الفني لا تقاس بموضوعه، إنما بما تستثيره من انفعالات جمالية تحقق الرضا النفسي، وهي تتخذ العلاقات اللونية وتناسب السطوح والتوافق والإيقاع مبادئ عامة لها يظهرها الفنان في تصميماته المختلفة، ويقدم ديكور «الغرافيتي» نموذجاً مبتكراً لصهر الأشكال وصياغتها بالصورة التي تتلاءم مع العمل المسرحي وفكرته.

تواصل الثقافات

ويشير وليد موسى أحمد، مدير مشروع «موسم دبي الفني» ومعرض «سكة» الفني لدى «دبي للثقافة»، إلى أن «الغرافيتي» ينسجم مع مساعي الهيئة نحو إثراء المشهد الثقافي بدبي، ومدّ الجسور بين الحضارات والثقافات، وتطوير المشروعات والمبادرات الإبداعية والمبتكرة محلياً وإقليمياً وعالمياً، وبات جزءاً لا يتجزأ من فعاليات «سكة»، الذي يستقطب الفنانين الناشئين وعشاق الثقافة والفنون للاحتفاء بالمواهب المبدعة.

«أرت فيست».. تجارب تفاعلية مدرسية

رسم مهرجان «أرت فيست» للفنون، احتفاء بـ«عام التسامح 2019»، رؤية إبداعية تفاعلية جديدة، انطلقت فعالياتها في أبريل الماضي تحت شعار «التحوّل»، والذي نظمته مدرسة «برايتون كوليدج» دبي، بالتعاون مع مركز «ثُلث» للغة العربية وهيئة دبي للثقافة والفنون.

وتحولت المدرسة خلال أيام المهرجان إلى مساحة فنية تفاعلية، تضم في جنباتها تراكيب وأعمالاً فنية، تحمل بصمة فنانين عالميين، بهدف تعزيز انخراط التلاميذ والمجتمع في ميدان الفنون الجميلة، ورسم ملامح جديدة لمنظورهم الفني، وتجاربهم الإبداعية. كما شهد المعرض، سلسلة من ورش العمل والحوارات التفاعلية، والتي كانت مفتوحة للجمهور، وبحضور هوفيل، فنان «الغرافيتي» العالمي المقيم في البحرين والمعروف بين جيل الشباب من خلال أعماله الفنية، الذي أشرف على ورشة عمل متميّزة حول فن «الغرافيتي».

برامج مجتمعية

وحول أهمية فن «الغرافيتي» في تطوير مهارات الطلاب واليافعين، قال ماركو لونغمور، مدير مدرسة «برايتون كوليدج» بدبي، إن الفنون بمختلف أشكالها تمثل أهمية كبرى بالنسبة لنا في القطاع التعليمي، ونأمل أن يسهم في فتح الآفاق أمام مجتمعنا المدرسي نحو طيف من الفنون الإبداعية والتعبيرية، وإثراء معارف المشاركين في ورش العمل والجلسات الحوارية، كما يتمثل هدفنا في ابتكار برنامج شامل يتيح لكل شرائح المجتمع التفاعل والمشاركة في الفعاليات التي تشجع على تعلّم اللغة العربية، من خلال التعمّق في ثقافتها وفنونها وإيلائها التقدير الواجب.

64 %

أجرت شركة «يوغوف» على هامش فعاليات «موسم دبي الفني 2017»، استطلاعاً للرأي عبر الإنترنت تضمّن 1001 مشارك في الإمارات، للتعرف على آرائهم فيما يعتبرونه نوعاً من أنواع الفن، ومن المثير للاهتمام أن التحفيز البصري عبر طرح العديد من الرسوم والصور دفع 64% منهم لاختيار «الغرافيتي» (الكتابة على الجدران) نوعاً من الفنون الشعبية والجماهيرية.

متحف مفتوح ثلاثي الأبعاد في دبي

يعدّ «دبي كانْفَس»، مهرجان الفن والثقافة للرسم ثلاثي الأبعاد من «براند دبي»، إضافة نوعية للأجندة الإبداعية للإمارة، تسهم في تحقيق هدف تحويل دبي إلى «متحف مفتوح»، والترويج لها عاصمة للفن والإبداع، وتقريب أهم الفنون الإبداعية المعاصرة والكلاسيكية إلى المجتمع، كون المهرجان منصة للتواصل مع الاتجاهات الفنية الحديثة، والتعرف على روّاد ومؤسسي مدارسها المختلفة، ما يوفر فرصة للفنانين المحليين وللمهتمين بالفنون للتواصل مع الخبرات العالمية، ويتضمن المهرجان كل عام، فعاليات مصاحبة تجعل منه حدثاً ثقافياً وفنياً متكاملاً، يستهدف مختلف الفئات العمرية، وتشمل ورش عمل فنية متخصصة، تمثل فرصة للمواهب المحلية لاكتساب خبرات ومعارف فنية جديدة ملهمة، علاوة على عروض فنية مبتكرة وفعاليات مخصصة للأطفال.

البيان