أكد معالي الدكتور علي راشد النعيمي، رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، أن ما نعيشه اليوم هو لحظة الحقيقة والخط الفاصل بين الواقع والخرافة والمرحلة الحاسمة التي نعبر من خلالها إلى المستقبل الواعد من خلال مشروع صادق يرى في الوطن ملاذاً وفي الاعتدال هوية وفي الانتماء للعروبة والإسلام امتداداً للانتماء للإنسانية جمعاء، وأن ذلك المشروع هو مشروع «الدولة الوطنية» باعتبارها البديل النوعي لحقبة ظلامية امتدت لعقود بائسة وتتطلب منا اليوم أن ندير دفة مسيرتنا نحو التنوير الحق، والحداثة المنسجمة مع قيمنا الروحية وتعاليمنا الدينية وحاجاتنا الإنسانية باعتبارنا جزءاً لا يتجزأ من مسيرة الحضارة الكونية.
وأشار معاليه خلال حفل إطلاق وتوقيع كتابه الجديد «الدولة الوطنية.. صناعة النهوض»، أمس الأول (الاثنين)، في منارة السعديات بأبوظبي، بحضور لفيف واسع من المثقفين والأكاديميين والمفكرين والإعلاميين، إلى أننا أمام مفصل تاريخي، ونعايش واقعاً غير مسبوق سواء من حيث نوعية التحديات أو مستوى التهديدات أو طبيعة الفرص التي تضعنا أمام خيار وجودي في أن نكون أو لا نكون. وألمح رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة إلى أن كتاب «الدولة الوطنية.. صناعة النهوض» يعبّر عن خلاصة تجربة عايشها بنفسه، وأراد من خلالها أن يقدّم للجيل القادم رسائل محدّدة تتعلق بقضايا محورية لا يمكن تجاوزها للفرد أو المجتمع.
وأضاف أن بعض القضايا التي يناقشها الكتاب يبدو ظاهرها فكرياً لكنّ أبعادها تلمس حياة الإنسان والمجتمع، موضحاً أن جميع المشاريع الحضارية تحتاج إلى إجابات عن القضايا الرئيسية في خطابها الديني ومنظومتها التعليمية وتماسكها المجتمعي. مبيناً أن الكتاب الجديد يركّز في جوهره على فكرة وجود إطار جامع يتمثل في الدولة الوطنية.
وعلى مدى 181 صفحة من القطع المتوسط، سعى معالي الدكتور علي راشد النعيمي إلى الإجابة على سؤال جوهري مفاده: أي مستقبل نريد لعالمنا العربي والإسلامي وأبنائنا وبناتنا والأجيال القادمة؟ حيث قام بتأصيل مفهومه للدولة الوطنية، مشدداً على أن ما تحتاجه مجتمعاتنا هو ترسيخ الدولة الوطنية بمفهوم جديد، فهي ليست «الدولة القومية» بالمعنى الغربي (nation-state) ولكنها «دولة المواطنة»، دولة التعاقد القانوني بين الإنسان والدولة، الدولة التي تخدم مواطنيها وتحقق طموحاتهم بغض النظر عن خلفياتهم، الدولة التي تحكم بالقانون وتعامل الجميع سواسية أمام القانون. التعددية مصدر قوة لها، والتعايش منطلق إلهام لمن يعيش على أرضها، وليست دولة قوم، أو عرق بعينه، أو دولة عنصر بشري متعالٍ على الآخرين، فهي دولة المواطنة وحكم القانون وليست دولة القوم أو القومية العنصرية.
هذه الدولة الوطنية، كما يقول معالي الدكتور علي راشد النعيمي في كتابه، هي مفتاح النهوض والتنمية والتقدم، ومن دونها ينهار المجتمع وتدخل الدول في دوامات من العنف لا نهاية لها، لذلك كان عنوان الكتاب، والفصل الأول منه يدور حول الدولة الوطنية، ومعانيها ودلالاتها لتجلية مفهومها وتمييزه عن المفاهيم الملتبسة به، والمتداخلة معه، وجاء الفصل الثاني ليقدم رؤية تحرر العقل المعاصر من هيمنة التاريخ، لأن مجتمعاتنا العربية عانت من ظواهر مدمرة قادها أولئك الذين يؤمنون بهيمنة التاريخ على الحاضر والمستقبل، وجاء الفصل الثالث ليقدم رؤية تحرر المجتمعات المسلمة من الوصاية والاستتباع لمجتمعات بعيدة عنها، وجاء الفصل الرابع ليركز بصورة أساسية على الجماعة الأم، التي قامت بكل ما تستطيع من أجل هدم الدولة الوطنية، واستلاب المسلمين لمصلحة الماضي، ووظفت تصدير التدين واستيراده من أجل تحقيق أهدافها في الوصاية على العالم باسم الإسلام، وجاء الفصل الأخير ليقدم رؤية مستقبلية تقوم على أن إصلاح التعليم هو أساس بناء الدولة الوطنية والحفاظ على ازدهار مستقبلها وذلك من أجل تحقيق الأهداف والغايات التي تريدها مجتمعاتنا، والتخلص من كل السلبيات التي غرستها الجماعات التي وظفت الدين لأغراض سياسية، واختطفت الدين لتساوم به على مصالحها.
وفي خاتمة الكتاب لفت معالي علي راشد النعيمي إلى أن كل ما حاول التعبير عنه من أفكار متنوعة وأطروحات متعددة وتصورات مختلفة، إنما يعبر عن حصاد تجربة ربع قرن أو تزيد من تفاعلات مباشرة مع أشخاص وأحداث ومحطات حاسمة تتعلق بواقع عالمنا العربي والإسلامي، راجياً أن يكون لهذه الأطروحات أثر الصدمة على الوعي الجمعي للقارئ العربي والمسلم، باعتبار أن كل ما طرحه إنما يصب في خانة المصارحة والمكاشفة بلا خوف أو تردد أو مواربة.
وشدد معالي الدكتور علي راشد النعيمي على أن الإيمان الحق والتدين الخالص لا يتعارضان مع متطلبات العصر والحرص على التطور والرغبة في التقدم، وأن الإسلام العظيم هو دين خالد وحضارة إنسانية ملك البشرية جمعاء، وليس حكراً على جماعة أو أيديولوجية، أو تنظيم أو حزب أو حتى مدرسة فكرية بعينها.
وخلص معالي الدكتور علي راشد النعيمي إلى وصف الدواء، فقال: «ليست أمامنا فرصة للتحرك نحو المستقبل، إلا إذا نجحنا في التعامل مع التاريخ باعتباره تجربة بشرية مقيدة بسياقات محددة حدثت وانتهت.. نحن نحتاج أن نستفيد من التاريخ بتمثل عناصر النجاح وتجاوز عناصر الفشل، وبذلك نضع التاريخ في موضعه الطبيعي».

خارطة أمل
كل ما طرحته يصب في خانة المصارحة والمكاشفة بلا خوف أو تردد أو مواربة. هي كلمة للتاريخ وبذرة نحو المستقبل المنشود، وخارطة أمل أسعى من خلالها للتأكيد على أنه ما يزال بالإمكان أكثر مما كان.

الاتحاد