تواصل قمة مجموعة الدول الصناعية السبع أعمالها لليوم الثاني على التوالي في مدينة بياريتس جنوبي فرنسا، وذلك في ظل خلافات حادة في عدد من القضايا العالمية، ومن بينها الملف النووي الإيراني، والحرب التجارية، والتغير المناخي، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في وقت نفى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يكون القادة أعطوه «تفويضاً» لإجراء محادثات مع إيران باسم المجموعة، وذلك بعدما نفى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أي اتفاق مع الدول السبع حول إرسال رسالة مشتركة إلى طهران.
وبعد بروز خلافات بين قادة عددٍ من الدول السبع الأيام القليلة الماضية، غرّد الرئيس الأمريكي، أمس، نافياً صحة تقارير إعلامية أشارت إلى وجود توتر بين زعماء دول المجموعة المجتمعين في فرنسا، وأضاف في حسابه على تويتر: «نحن نعقد اجتماعات جيدة جداً، والزعماء على وفاق كبير، وبلدنا على المستوى الاقتصادي يبلي بلاءً حسناً». وأفادت مصادر بأن هناك توجهاً لعدم إصدار بيان ختامي عن قمة السبع بهدف تجاوز الانقسامات، وكانت الدورة السابقة للقمة في كندا لم تختتم بإصدار بيان بسبب الخلافات بين الزعماء، وقد غادر ترامب تلك القمة قبل انتهاء أعمالها، رافضاً مسوّدة البيان المقترحة.
والدول الأعضاء في المجموعة هي: أمريكا والصين وفرنسا وبريطانيا وكندا واليابان وإيطاليا، كما يشارك في قمم السبع الاتحاد الأوروبي.
وصول مفاجئ
وفي زيارة مفاجئة، وصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى بياريتس في وقت يكثف فيه الرئيس الفرنسي جهوده لتخفيف حدة التوتر بين طهران وواشنطن. وأجرى ظريف محادثات مع نظيره الفرنسي.
وقال مسؤول بالبيت الأبيض إن فرنسا لم تبلغ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مسبقاً بأن وزير الخارجية الإيراني سيجتمع مع وفد فرنسي على هامش القمة. غير أن مصدراً دبلوماسياً فرنسياً أفاد ضمناً بأن ترامب تبلّغ بوصول ظريف. وأوضح المصدر أن قرار دعوة ظريف إلى موقع انعقاد قمة مجموعة السبع بعد يومين على استقباله في الإليزيه الجمعة «يندرج ضمن استمرارية ما يفعله إيمانويل ماكرون منذ عدة أشهر: إيجاد الظروف لخفض حدة التصعيد، وبحث ما ينبغي أن يحصل بعد انتهاء مدة الاتفاق حول النووي الإيراني، ومناقشة برنامج إيران الباليستي».
وأفاد قصر الإليزيه بأن «لا لقاء مقرراً في هذه المرحلة مع الأمريكيين» المشاركين في القمة، مشيراً إلى أن الزيارة تجري بمبادرة من باريس وليس من مجموعة السبع. وذكرت الرئاسة الفرنسية أن زعماء دول مجموعة السبع وافقوا على أن يعقد ماكرون محادثات مع إيران ويبعث برسائل إليها لكن ترامب الذي يتبنى سياسة الضغط على إيران لأقصى حد نأى بنفسه عن هذا الاقتراح قائلاً إنه حتى لم يناقشه. وبدا ماكرون لاحقاً وكأنه يتراجع عن تصريحات سابقة لفريقه، وقال إنه لا يوجد تفويض رسمي من زعماء دول مجموعة السبع لتوجيه رسالة إلى إيران.
وفي إشارة إلى مدى صعوبة اتفاق الحلفاء على إجراءات ملموسة، قال الرئيس الفرنسي إن الزعماء توافقوا على عدم امتلاك إيران قنبلة نووية وضمان السلام والأمن في الشرق الأوسط.
وأضاف: «علينا مواصلة الأخذ بزمام المبادرات في الأسابيع المقبلة.. لضمان عدم اتخاذ إيران مزيداً من القرارات التي تتناقض مع هذا الهدف وفي الوقت ذاته البدء في مفاوضات جديدة».
وبدا الرئيس الأمريكي وكأنه يستخف بجهود الوساطة الفرنسية مع إيران، إذ قال إنه رغم سعادته بمساعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتهدئة التوتر مع طهران، فإنه سيواصل مبادراته الخاصة.
في غضون ذلك، قال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك للصحفيين قبل بدء القمة: «قمة السبع ستكون اختباراً صعباً للوحدة والتضامن بين دول العالم الحر وزعمائه.. قد تكون تلك اللحظة الأخيرة لترميم مجتمعنا السياسي». وأضاف أن التوصل إلى أرضية مشتركة بشأن القضايا المطروحة على القمة أصبح هدفاً يزداد صعوبة.
ملف «بريكست»
ملف آخر يثير الخلافات في قمة السبع بفرنسا هو خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي، إذ تبادل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيس المجلس الأوروبي التصريحات الحادة بشأن من سيتحمل مسؤولية خروج بريطانيا من الاتحاد في 31 أكتوبر المقبل دون اتفاق.
إذ قال توسك إنه لن يعمل مع لندن على ترتيب خروج دون اتفاق، وصرح للصحفيين: «لا يزال لديّ أمل بأن رئيس الوزراء جونسون لا يود أن يدخل التاريخ بصفة السيد لا اتفاق».
ورد جونسون عليه بالقول إن توسك هو الذي سيتحمل عبء ذلك الوصف إذا لم تتمكن بريطانيا من إبرام اتفاق جديد للخروج مع الاتحاد. وقال رئيس وزراء بريطانيا للصحفيين المرافقين له على متن رحلته لفرنسا: «أقول لأصدقائنا في الاتحاد الأوروبي إنهم إذا كانوا لا يرغبون في خروجنا دون اتفاق، فعلينا التخلص من مسألة الحدود الأيرلندية في الاتفاق».
وأيد ترامب رئيس الوزراء البريطاني في معركته مع الأوروبيين حول بريكست. وقال: «إنه الرجل المناسب للمهمة»، وذلك خلال لقائهما الأول معاً على مائدة الإفطار، متعهداً بالتوصل إلى «اتفاق تجاري رائع فور إزالة العقبات».
الحرب التجارية
ومن أكثر الملفات التي تظهر فيها الخلافات بين زعماء قمة السبع الحرب التجارية الجارية حالياً بين واشنطن وبكين، إذ حذرت فرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي أمريكا من مغبة المضيّ في هذا النهج المتمثل في حرب فرض الرسوم التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
فقد وصل ترامب فرنسا بعد يوم من صدور جولة جديدة من الرسوم الجمركية التي فرضتها الصين على السلع الأمريكية رداً على خطوة أمريكية مماثلة، بالمقابل قالت واشنطن إنها ستفرض رسوماً إضافية على سلع صينية بقيمة 550 مليار دولار.
وسيناقش القادة السبع موضوعاً ملحاً يتمثل في التغيرات المناخية في وقت تستمر فيها حرائق غابات الأمازون التي توصف برئة الأرض، إذ مارس زعماء أوروبيون في الفترة الأخيرة ضغوطاً على الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو بسبب حرائق الأمازون، واتهم الرئيس ماكرون نظيره البرازيلي بالكذب بشأن تعهدات بلاده المتعلقة بالتغير المناخي، واتهمه بعدم التحرك لوقف حرائق أكبر غابة مطيرة في العالم.
غير أن بريطانيا وألمانيا وإسبانيا عارضت دعوة فرنسا لعدم المصادقة على الاتفاق التجاري المبرم بين الاتحاد الأوروبي والسوق المشتركة لأمريكا الجنوبية بسبب كارثة حرائق الأمازون.
وقال ماكرون إن قادة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى يتفقون على أنه يجب توجيه مساعدات إلى البلاد التي تتعرض لحرائق الغابات في منطقة الأمازون، في أقرب وقت ممكن.
واعترف بأن إعادة زراعة الغابات أمر ضروري أيضاً، لكنه أشار إلى وجود «آفاق مختلفة» بين القادة «لأن كل هذا يتوقف على بلدان الأمازون»، التي تتمسك بسيادتها، على نحو مبرر.
إعادة روسيا!
اتفق القادة السبعة على «تعزيز الحوار والتنسيق» بشأن الأزمات الراهنة مع روسيا، معتبرين أنه «من المبكر جداً» إعادة روسيا إلى المجموعة، وفق ما قال مصدر دبلوماسي. واستُبعدت روسيا عن مجموعة الثماني عام 2014 بعد ضمّها شبه جزيرة القرم. لكن ترامب يؤيد إعادتها إلى المجموعة، على عكس نظرائه، وقال: «بالتأكيد من الممكن» أن يقوم بدعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليكون ضيف قمة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في الولايات المتحدة العام المقبل.
الاتحاد