تفاعلت حدة التوتر السياسي في تونس أمس، مع إعلان المعارضة عزمها الإعلان عن حكومة إنقاذ وطني ومجلس أعلى للإنقاذ خلال أيام، عاقدة النية للمبيت للاحتفال بعيد الفطر في ساحات الاعتصام لمواصلة الضغط على الحكومة لاستقالتها، حيث قال النواب المنسحبون من المجلس الوطني التأسيسي إنهم سيصطحبون معهم أسرتهم إلى ساحة «باردو» لقضاء يوم العيد مع معتصمي «الرحيل».

وأوضح القيادي في الجبهة الشعبية أحمد الصديق في تصريح لـ«البيان» أن «الحراك الشعبي سيستمر الى حين تحقيق مطالب الشعب التونسي بحلّ المجلس الوطني التأسيسي والحكومة الفاشلة» على حد تعبيره، وأن الشعب التونسي «قال كلمته من خلال الحشد الاستثنائي الذي شهدته تونس العاصمة الثلاثاء، حيث قرر مواصلة الاعتصام في ايام عيد الفطر لمواصلة الضغط على الحكومة». وأضاف الصديق أن «عجلة التاريخ لا تعود الى الوراء، ونحن نرى أن الحكومة الحالية انتهت والمجلس التأسيسي لن يصمد طويلا أمام إرادة الشعب».

حكومة إنقاذ

من جهته، قال زعيم حزب العمال والقيادي في الجبهة الشعبية حمة الهمامي لـ«البيان» انه سيتم بعد عيد الفطر الإعلان عن حكومة انقاذ وطني ومجلس أعلى للإنقاذ الوطني مباشرة بعد ذلك، مشيرا الى أنه «ولأول مرة بعد معركة التحرر الوطني من الاستعمار، توجد في تونس مثل هذه اللحظة الجامعة بين كل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة رجال الأعمال وأرباب العمل». وأكد أن «لا تراجع عن مطلب إسقاط الترويكا وأن الاعتصامات السلمية ستتواصل في مختلف الساحات والميادين».

مطالب واعتصام

إلى ذلك، قال نواب منسحبون من المجلس التأسيسي انهم لن يتراجعوا عن مطالبهم في حل الحكومة والمجلس التأسيسي، حيث قرروا اصطحاب أسرتهم الى ساحة «باردو» لقضاء يوم العيد مع معتصمي «الرحيل».

واعتبر عضو المجلس الوطني التأسيسي منجى الرحوي المستقيل أن «الحكومة تحتضر والمجلس التأسيسي في موت سريري»، على حد تعبيره، مضيفا القول انه «لم يبق سوى القليل ليتم تشكيل حكومة إنقاذ وطني ترأسها شخصية وطنية محايدة تعمل على تأمين ما تبقى من المرحلة الانتقالية».

في غضون ذلك، تساءلت النائبة نادية شعبان من ناحيتها: «لماذا يغفل من يتهمنا بنشر الفوضى عن كل مظاهر الفوضى التي عمت البلاد تحت حكم حزب لا يؤمن لا بمؤسسات ولا بديمقراطية؟»، في إشارة إلى حزب حركة النهضة، الذي قالت انه «يردد كثيرا كلمة الحوار في حين انه على أرض الواقع اقل ما يمارسه هو الحوار».

وأشار النائب عبد العزيز القطي من جهته إلى أن «جولة النواب المنسحبين في عدد من جهات البلاد هي لطلب مساندة المواطنات والمواطنين التونسيين ودعمهم من اجل وضع حد لعملية استيلاء حزب حركة النهضة على مؤسسات الدولة»، على حد تعبيره.

حشد استثنائي

وكانت جبهة الانقاذ الوطني، المكونة من عدد من الأحزاب السياسية المعارضة والنواب المنسحبين من المجلس التأسيسي وعدد من منظمات المجتمع المدني وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، نظمت أول من أمس مسيرة شعبية حاشدة قالت إن عدد المشاركين فيها تجاوز ربع مليون، في حين أفادت مصادر أمنية أن أكثر من 150 ألف متظاهر شاركوا فيها.

وقال القيادي في حركة نداء تونس الأزهر العكرمي ان «هذا الحشد هو الأكبر في تاريخ تونس الحديث بعد حشد جنازة شكري بلعيد خلال فبراير الماضي، وهو يعبّر عن الانتماء الى تونس والخوف عليها، ما تردّت إليه الأوضاع، وهو إعلان من الشعب عن حسمه في الحكومة وفي المجلس التأسيسي ودعوته الى إنقاذ البلاد، وهذا ما سيتم بإرادة التونسيين بعد العيد».

من جهته، أفاد الأمين العام المساعد للاتحاد العام للشغل سمير الشفي إنه «سيكون للاتحاد دور جوهري في صناعة مستقبل أفضل للبلاد. وأن اتحاد الشغل كان سباقا لتقديم حلول للأزمة وكان أساسها حلّ الحكومة ووضع روزنامة لانتهاء أعمال المجلس الوطني التأسيسي». وأضاف سمير الشفي ان الاتحاد كان ولا يزال قائدا لأي تغيير أو ثورة في البلاد.

بن جعفر يقلب الطاولة على «الترويكا»

يبدو أن حزب «التكتل من أجل العمل والحريات» في تونس نجح في شق صفوف «الترويكا» بفرض مواقفه كحزب وسطي ديمقراطي يحاول إيجاد الحلول للخروج بالبلاد من حالة الاختناق عقب قرار أمينه العام رئيس المجلس الوطني التأسيسي التونسي مصطفى بن جعفر بتعليق عمل المجلس إلى أن تبدأ الحكومة التي يقودها والمعارضة حواراً. ويرى المراقبون أن موقف بن جعفر يعتبر تحوّلاً حاسماً لأحد أطراف الائتلاف الثلاثي الحاكم، ويمثّل قلباً للطاولة لحكومة «الترويكا» التي يشارك فيها حزبه.

تبني مطالب

ويأتي التحوّل في موقف بن جعفر لأسباب عدّيدة منها ما هو حزبي، حيث إن أغلب المنخرطين في حزب التكتّل يجدون أنفسهم أقرب الى مطالب القوى التقدمية وأحزاب المعارضة، ومنها ما يرتبط بمستجدات الوضع السياسي واتساع دائرة الحراك الشعبي والتحاق الاتحاد العام التونسي للشغل بتحركات المعارضة في الشارع، إضافة الى معطيات متوفرة عن رغبة حركة النهضة في البحث عن حلفاء جدد تتجاوز بهم تحالفاتها السابقة مع حزبي التكتّل والمؤتمر من أجل الجمهورية. وكان قياديون في حزب التكتّل أعلنوا دعمهم فكرة حل الحكومة وتشكيل حكومة وطنية، على الرغم من أن المعارضة والنقابات ترفض حكومة الوحدة الوطنية وتنادي بتشكيل حكومة إنقاذ وطني من كفاءات غير مسيّسة وغير مستعدة للمشاركة بالانتخابات المقبلة.

ضغط القواعد

ويأتي قرار بن جعفر تعليق جلسات «التأسيسي» في هذا الظرف لعدة اعتبارات أهمها ضغط القواعد على قياديي الحزب للخروج من الصورة التي ارتسمت للحزب بعد انتمائه للترويكا على أنه حزب «مذيل السلطة».

ويقول عضو في المجلس التأسيسي عن حزب النهضة نجيب مراد: إن قيام رئيس المجلس بتعطيل عمل المجلس «انقلاب غير مقبول»، على حد وصفه.

ومن جهته، يقول النائب عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بشير النفزي: إنّ قرار بن جعفر «أحادي ومباغت، ويتحمّل لوحده تبعات القرار ونتائجه».