كشف رئيس الوزراء التونسي علي العريض أمس ان الحركة السلفية الجهادية الرئيسية في البلاد، أنصار الشريعة، المرتبطة بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي مسؤولة عن اغتيال المعارضين شكري بلعيد و(النائب) محمد البراهمي وهجمات ضد القوات التونسية. مؤكدا تصنيف هذا التنظيم كتنظيم إرهابي في وقت يعرض وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو اليوم الأربعاء وثائق واعترافات مسجلة عن تورط التنظيم في أعمال إرهابية بالبلاد.

واعلن العريض في مؤتمر صحافي عن «ضلوع تنظيم أنصار الشريعة في العمليات الإرهابية في تونس وفي عمليات اغتيال بلعيد و البراهمي». وأضاف ان أنصار الشريعة «على ارتباط بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي»، متهما بالحركة بالمسؤولية عن اكثر الأعمال الإرهابية اثارة للضجة منذ ثورة 2011 ».

اعترافات

وأضاف العريض أنه « ثبت بعد كل الاعترافات ان هيكلة التنظيم قائمة على هيكلة عسكرية كما ان عددا كبيرا من عناصره بحالة إيقاف واخرى بحالة فرار » مشيرا الى أنه ،و بعد عقد كل الاجتماعات الأمنية الضرورية، تم اتخاذ قرار بتصنيف تنظيم انصار الشريعة تنظيما إرهابيا وذلك على المستوى الأمني والإعلامي».

وأضاف «انه وانطلاقا من هذا التاريخ فكل من ينتمي الى هذا التنظيم سيتحمل كامل مسؤوليته القضائية في الانتماء لتنظيم إرهابي»، مشيرا إلى أنه «لا مهادنة مع الارهاب و لا مهادنة مع من يرفع السلاح أمام مؤسسات الدولة و ان الدولة ستتصدى لكل هذه التهديدات مهما كانت التضحيات».

تنظيم إرهابي

واشارالعريض الى ان المؤسسة الأمنية والعسكرية ستتعامل مع هذا التنظيم على أساس انه تنظيم إرهابي، متهما الحركة بالمسؤولية عن الخلية المسلحة التي كانت القوات التونسية تطاردها منذ اشهر في جبل الشعانبي على الحدود مع الجزائر. وقتل في العملية حوالى 15 عسكريا.مؤكدا «ان تنظيم أنصار الشريعة بزعامة ابو عياض يقف وراء قتل الجنود التونسيين بالشعانبي»

ويعقد وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو موتمرا صحفيا اليوم الأربعاء يعرض خلاله نتائج التحقيقات مع المعتقلين ووثائق واعترافات مسجلة عن تورط تنظيم أنصار الشريعة في أعمال إرهابية بالبلاد

لا فائدة في حكومة « تصريف أعمال »

وعلى الصعيد السياسي قال علي العريض ، ان الوضع في تونس لا يمكن ان تعالجه حكومة تصريف اعمال «لانه في مثل هذه الأوضاع الأمر يؤدي الى الإطالة والشلل العام وحتى ان الإدارة نفسها ستعيش شللا وبالتالي فان الوضع الذي تعيشه البلاد من تحديات ومخاطر لا يحل بحكومة تصريف أعمال او باستقالة الحكومة الحالية كما ان بقاء التأسيسي معطلا لا يخدم البلاد » على حد تعبيره .

وشبه العريض تعليق أشغال المجلس الوطني التأسيسي بانه في إضراب عن العمل واستغرب من هذا الوضع وقال «هل يعقل ان يضرب رئيس جمهورية او مؤسسة دولة عن العمل»

اما فيما يتعلق بالوضع السياسي العام ومجمل المقاربات ،فقال إن البلاد تعترضها تحديات كانت ولا تزال مستمرة وأولها تحدي بسط الأمن ومقاومة الإرهاب والتحدي الثاني هو تنمية الاقتصاد والمحافظة على التوازنات المالية والتحدي الثالث هو الوصول الى المرحلة الانتقالية وتحقيق الانتخابات والدستور

وأضاف العريض ان هذه التحديات الثلاثة تأتي في مرحلة انتقالية بعد الثورة وكل الدول التي تمر بهذه المراحل تعاني من نفس المشكلات خاصة ،وفيما يتعلق بالإرهاب، أكّد ان الحكومة لن تهادن الإرهاب ولن تتسامح مع من يرفع السلاح في وجه المجتمع ومؤسسات الدولة مهما كانت التضحيات

تواصل المشاورات

في غضون ذلك ،انطلقت صباح أمس المشاورات بين المنظمات الراعية للحوار الوطني بمشاركة كل من الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والمنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين

وأكد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي أنه يجهل حقيقة معنى تشكيل«حكومة انتخابات ،التي إقترح راشد الغنوشي تشكيلها ،مشيرا الى أن مبادرة الاتحاد لم تأت بمثل هذه الحكومة باعتباره تم طرح حكومة كفاءات تترأسها شخصية وطنية وفق تعبيره».

وقال العباسي «أنا لأول مرة أسمع بمصطلح حكومة انتخابات »مضيفا «حقيقة لم أفهم ماذا تعني بالضبط حكومة انتخابات ،قبل ان يؤكد بأنه سيطلب من رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي تقديم شرح واضح حول ما مفهوم هذه الحكومة ».

وشدد الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل على ان الوضع الحالي للبلاد يتطلب حكومة كفاءات تكون قادرة على تسيير البلاد ،ومدعومة فى نفس الوقت من طرف لجنة متكونة من الاحزاب التي لديها تمثيلية داخل المجلس الوطني التأسيسي وفق تعبيره.

«النهضة» من موقع قوة إلى تنازلات اضطرارية

قدّم زعيم حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس راشد الغنوشي، مزيدا من التنازلات التي وصفها أنصاره في حزبه والتحالف الحاكم بالمؤلمة، ومن ضمنها التراجع عن قانون «العزل السياسي» ، ما أثار ردود فعل صاخبة من داخل الحركة ومن قبل حلفائها المتشددين بعدما كان قد صرّح منذ أشهر بأن قانون تحصين الثورة ضروري لمنع ظهور القوى المضادة للثورة ، ودعا إلى الإسراع بعرضه على المجلس الوطني التأسيسي للمصادقة عليه.

فتطورات للوضع في تونس فرض على حركة النهضة وهي ترصد تراجع شعبيتها، أن تتنازل لخصومها السياسي ،وأن تستمع إلى نصائح العواصم الغربية بضرورة التحالف مع الحزب الأكبر حاليا في صفوف المعارضة والأكثر تنظيما وهو حركة نداء تونس التي كانت مستهدفة بقانون العزل السياسي وتحصين الثورة.

وهنا يأتي الموقف البراغماتي لراشد الغنوشي ،وسعيه إلى التقارب مع السبسي لتجاوز الأزمة الحالية ومحاولة البحث عن تحالف انتخابي قادم يعصف نهائيا بتحالف الترويكا القائم حاليا.

رفض من داخل النهضة

ولكن هذه المستجدات، قد لا تقنع بعض الأطراف العقائدية والمتشددة في حركة النهضة مثل القيادي فيه ، و النائب بالمجلس التأسيسي والقيادي بحركة النهضة الحبيب اللوز المعروف بمواقفه المتصلبة وبعلاقاته الوطيدة مع الجماعات السلفية الجهادية ، والذي قال إنّه «لا يحق لأي حزب بما في ذلك حزب النهضة ورئيسها أن يقول إن قانون تحصين الثورة تأجل»، مشيرا أنّ «هذا الأمر يجب أن يترك للمجلس وهو صاحب الأهليّة للبتّ فيه».

وأشار اللوز أنّ موقف الحركة ليس مع تأجيل قانون التحصين السياسي للثورة وقانون العدالة الانتقالية إلى ما بعد الانتخابات، واصفا تصريحات الغنوشي بأنّها «كلام غير سليم».

«المؤتمر» خائف

و من جهته ،أعلن الأمن العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية عماد الدامي أن تصريحات الغنوشي حول تأجل النظر في قانون تحصن الثورة تلزمه هو فقط، مؤكدا على حق النواب في مناقشته. وأضاف أن حزبه يلتزم فقط بما يصدر عن تنسيقية الترويكا .

ويرى المراقبون أن حزب المؤتمر الذي تعرّض لانشقاقات عدة خلال العامين الماضيين، والى الكشف عن حضوره الحقيقي في الشارع ،حيث تكاد شعبيته منعدمة ، كان قد تبنى نظرية الإقصاء التي لا يوافق عليه زعيمه المنصف المرزوقي.

وإنما يتبناها تياران داخل الحزب الأول يمثله عماد الدائمي «الإخواني» الذي بدأ تجربته السياسية مع حركة النهضة قبل سفره للإقامة والدراسة في السودان في بداية التسعينيات من القرن الماضي، والثاني يمثله التيار البراغماتي الذي يتجسّد في شخصية القيادي عبد الوهاب معطر .

قانون بات من الماضي

ومهما يكن من أمر، فإن قانون العزل السياسي وتحصين الثورة بات من الماضي، حيث أن تمريره على المجلس الوطني التأسيسي والمصادقة عليه لا يتحققان إلا عن طريق كامل كتلة حركة النهضة ونواب حزب المؤتمر وحركة وفاء والحلفاء المستقلين، وبات واضحا أن كتلة الأغلبية النهضوية لن تطرح القانون للنقاش والتصويت.

وهو ما يعنى دخول البلاد إلى مرحلة من التوافقات والتحالفات السياسية التي قد تجمع القوى الوسطية المدنية مع حركة النهضة في أطار موحّد ، الهدف منه عزل اليسار الراديكالي واليمين الديني المتطرف، والعمل على حماية النموذج المجتمعي التونسي.

– البيان