نورة السويدي

قبل أربع سنوات ونيف من الآن أطلقت الإمارات حملة عربية لمواجهة المخدرات تحت شعار “نعم للحياة” تم الإعداد لها ما يقارب العام ونصف العام، وما كان يميزها ذلك البعد العربي العميق والمهم في منطلقاتها وذلك أنها كانت موجهة لكل الدول العربية، ولا تستهدف فقط المواطنين والمقيمين في دولة الإمارات.

وقبل ذلك التاريخ وبعده تعرضت الدولة ولا تزال تتعرض لمحاولات أرباب الهوى والأنفس المريضة لاختراق جدران المنافذ الحدودية لتمرير ما يمكن تمريره من المخدرات بمختلف أنواعها لتدمير أعظم ثروة تفخر بها الدولة ألا وهي الشباب، في حرب تستهدف استقرار وأمن الوطن.

لقد سمعنا مؤخراً عن إحباط جمارك دبي لعملية تهريب 4.2 ملايين حبة ترامادول محظورة في الإمارات، كانت متجهة لأفواه شباب مغرر بهم تنسج حوله الشباك والمصائد ليبتلع أول حبة فقط ثم لا يلبث أن يهرع باحثاً جاداً في الداخل والخارج عما يروي عطش الإدمان لديه وأنى له الارتواء.

وبلا أدنى شك فإننا نثق تمام الثقة بجهود المؤسسة الأمنية والجمارك في الدولة للوقوف في وجه الراغبين في تمزيق نسيج المجتمع عبر غيبوبة العقول وضياع البوصلة الإنسانية، لتبقى في حلقة مفرغة لا تعرف للحياة معنى ولا مقصداً، ولا نرتاب بأن شبابنا في عامته الغالبة لديهم من الحصانة التربوية الرصيد الكبير الذي يحول دون وقوعه في براثن أمثال هؤلاء الأدعياء، إلا أننا لا يمكن أن نراهن على طول مقاومة هؤلاء الشباب أمام الأبواب المفتوحة هنا وهناك إذا لم يؤخذ أمر المخدرات على محمل الجد وإذا ما بقي الدفاع هو السبيل الوحيد لصد الهجمات.

ينبغي أن توضع النقاط على الحروف ولا بد من الكلام عن القضايا المصيرية بمنتهى الجرأة، لأن تناول أمثال هذه الأمور بلا مبالاة يقتل الرغبة في الحد منها، ويجعلها عرضة للاستشراء بدل المقاومة والمنع، لا بد من النظر إلى جوهر المسألة بجرأة، ففي مقال سابق حذرنا أشد التحذير من الفكر المنحرف ورأينا أنه يرقى إلى مستوى الجريمة، وهو بلا شك موجه إلى الشباب بالدرجة الأولى وهم الوقود المتعطش لهذه الأفكار الغريبة عن المجتمع من دون القدرة أحياناً على غربلتها ومعرفة الغث والسمين منها.

واليوم نتحدث عن تسريبات المخدرات التي يتولى كِبرها بعض المترصدين بشبابنا، وهم يقفون مع أولئك المخربين الفكريين على الجبهة ذاتها والهدف ذاته، فالشباب هم ميدان العمل، فمن لم تسكره الأفكار المنحرفة الهدامة، تكفلت به المخدرات وليبقى الشباب حائراً بين فكرة طائشة أو حبة ترامادول أو جرعة هيروين.

هما وجهان لعملة واحدة جوهرها الخراب والتحطيم الاجتماعي، وجه يعزل الشباب وجدانياً عن الشعور بالمجتمع والتكافل معه والارتقاء به والعمل من أجله، ووجه آخر يعزل الشباب عقلياً فيتقوقع على آلامه الموهومة، ويكتفي من حياته بنشوة عابرة تنسيه الحياة.

وإذا بقينا في جريرة المخدرات لا بد من السؤال عن طرف لا يقل مسؤولية عن المروجين، وهؤلاء هم بعض الأطباء الذين هانت عليهم قداسة مهنتهم حتى تجرأوا على وصف الكثير من الأدوية المهدئة ذات التأثير المخدر بغض النظر عن حاجة المريض إلى ذلك أو لا، حتى اتخذ ذلك بعض المدمنين وسيلة لتأمين حاجتهم من المخدرات تحت غطاء طبي، وهنا لا بد من السؤال بإلحاح عن فاعلية الأجهزة الرقابية، وعن العقوبات المقررة عند ثبات مثل هذه التصرفات، لأننا ندافع عن رصيد مجتمعي لا يمكن التساهل به، يشكل قوام الوطن وعماده ومستقبله.

ومع ذلك لا نزال على يقين بأن ترياق الداءين معاً هو الوعي، لأنه الكفيل بتحصين الشباب من غارات الأفكار وهجمات الشهوات، ولا بد من استنفار جميع المنابر التربوية لتقديم جرعات التوعية المدروسة الممنهجة، لا أن نكتفي بالتوعية السطحية التي تقترب من درجة رفع العتب المجتمعي أكثر من حقيقة التوعية العميقة، والاقتراب أكثر وأكثر من هموم الشباب ومحاولة وضع الحلول الناجعة لمشكلاتهم الفكرية والاجتماعية، ومحاربة البطالة الحقيقية والمقنعة، وهي قضية لا بد من بحثها على أوسع نطاق.

– البيان