ميساء راشد غدير

رغم إدراكنا أهمية تكريم الأم في كل ثانية، إلا أن ذلك لا يمنع تلبية دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لتكريم أمهاتنا في ذكرى تولي سموه مقاليد الحكم في إمارة دبي. لقد انطلقت الدعوة في وقت نكابد فيه نحن الأمهات اليسير مما كابدنه أمهاتنا وقت حرصنا على تربيتنا وأخوتنا وإعدادنا لزمان خشين أن تغبن فيه فلا يكون لدينا المعين إلا أنفسنا.

بعض قراء هذه الزاوية هم ممن فقدوا أمهاتهم، وبعضهم ممن مازال ينعم برؤيتهن بصحة وعافية، في حين يتألم آخرون برؤية أمهاتهم يشقين في مكابدة أمراض الشيخوخة. ووسط ذلك كله انشغل كثيرون في البحث عن أفكار لتكريم هذه الإنسانة العظيمة التي مازالت باقية بيننا أو تلك التي رحلت، والبعض يتساءل إن كان أبناؤه سيحملون هم تكريمه بعد سنوات عندما تتقدم به السنون؟ فالتكريم الذي حظيت به الأم من الخالق سبق وكان أعظم من تكريمنا نحن البشر ومع ذلك لابد من التكريم والامتنان والكثير من العرفان.

لم نكن نحسب أن للأمومة ثمنا غاليا سندفعه عندما يؤول الدور إلينا ونصبح أمهات، ولم نتوقع أننا سنتجرع مرارة كبيرة ببلوغ والدينا من الكبر مبلغا يتذوقون به مرارة تقدم العمر وتكالب الأمراض عليهم، فنتمنى في كل لحظة ألم تحل بهم لو نملك انتزاع كل ذلك وتحمله عنهم ومع ذلك لا نستطيع.. مرت السنون على أمهاتنا طويلة بين شقاء تربيتنا وعذاب توجيهنا وحمل همومنا في طفولتنا ومراهقتنا مرورا بشبابنا حتى أصبحنا أمهات وآباء شغلتنا الدنيا التي أعدونا لها بعد أن منحونا من طاقتهم وقودا لنمضي فيها حتى جاءت اللحظة التي نكابد فيها ما كابدوا ونحن نربي أبناءنا مع فارق، فلا نحن كأمهاتنا ولا أبناءنا مثلنا، ولا معطيات الحياة هي نفسها.

لذا انصح نفسي قبل الجميع من بعد لقاء أمي التي بلغ بها العمر مبلغا وغيرت فيها السنون ما غيرت فلم تعد كما كنا نراها، وأصبحنا نحن إلى صورتها وصوتها ذلك الذي لم يعد يرن بقوته في أعماقنا، باغتنام لحظات برها التي إن ذهبت لن تعود ولن تعوض.

وبالاستفادة من خبرتها، فهي تقدم لنا خلاصة تجربة فريدة، فمنحها الإحساس بذلك يعد بحد ذاته تكريما لها لاسيما بعد أن جفاه البعض متجاهلا أن ما يجفوه هو خلاصة سنوات عمر صنعت وتركت الأروع فينا.

تكريمنا الأعظم للأمهات سيكون بتحقيق أمنياتهن بأن يرين فينا ما يتطلعن إليه وقد أصبحت كل واحدة منا من خيرة الأمهات القادرات على تكرار نماذج ناجحة لأمومة مثالية اقتبسناها منهن.

وستكون سعادتهن أعظم عندما يرين تأثيرنا في تربية أبنائنا إذ لا شيء يسعد الأم سوى أن ترى أبناءها في حال أفضل مما تتمناها وفي صورة أفضل من تلك التي كانت عليها.

فللأم منا عهد ووعد بان نكون دائما عند حسن ظنهن فذلك التكريم الذي بهن يليق عندما يرين أجيالا تفخر بهن الدنيا.

– عن البيان