علي أبو الريش

مدينة أبوظبي تزخر بنواصع الأحلام الوردية التي يعيشها الناس على حدٍ سواء المواطن والمقيم، بما تتمتع به من خدمات المدينة الفاضلة، ما يجعل أي خدشٍ أو نبشٍ في مكانٍ ما يزعج الخاطر، ويعكِّر المزاج .. فعندما تمر بالقرب من الأبنية الزجاجية، والتي باتت أشبه بأقراص الشمس، وترى سائقي سيارات النقل، يعرضون خدماتهم على المارة في وسط الشوارع، وقد أرسوا سياراتهم الطويلة العريضة عند نواصي الشوارع، حاجزين بذلك مواقف سيارات الآخرين، معرقلين السير، معطلين الناس عن أداء مشاغلهم وتحت سياط الشمس وسطوتها، وترى أعين الأشخاص المعترضين على هذا السلوك غير الحضاري، يتطاير منها الشرر، وترى بعض الأشخاص، يخرج من محل معين، وقد قضى عملاً ما فيجد سيارته محاصرة بهذه الآلة الضخمة، المسماة سيارة نقل، يظل يتلفت وينزف عرقاً فلا من مجيب؛ لأن صاحب السيارة أوقف سيارته لتستظل بظل أهل الخير، وذهب هو عند ركن قصي يتبادل الأحاديث مع رفاقه، ويستعيد ذكريات أيام زمان ولا يهمه ماذا يفعل بهذا الزمان، وماذا يكلف الآخرين من ضيق وضياع وقت بسبب تصرف لا يليق بشخص يعيش في بلد أكرمته، واحتضنته ومن خيرها يعتاش هو وأطفاله الصغار.
حقيقة ما يفعله أصحاب سيارات النقل مشهد غير حضاري ويشكل إساءة للبلد الذي يعتني أهله بكل صغيرة وكبيرة تخص مشهده الحضاري، وأتمنى أن أرى رجل مرورٍ يقف في هذه الأماكن ويرى ما لن يجعله يتردد في تحرير المخالفات الفورية عقاباً وحساباً لأشخاص تخلوا عن الذوق السليم، وجلسوا على الأرصفة كرعاة الغنم، بينما انبطحت ناقلاتهم وقد أكلت نصف الشارع.
واعتقدت أن معظم المشاجرات وشد الأعصاب، وما يتبعه من مشاكل أخلاقية حصل في الصيف، فالعرق ينز من الجسد، والأفئدة تخفق كأجنحة الطير والصدور تنفخ زئيراً حاراً وشمس القيظ تسلط جحيمها باتجاه الرؤوس ولا مجال لهدأة النفس عندما يرى شخص سيارته محبوسة بين تيارين من الحديد الصلب، أو مخنوقة بين فكي كماشة لشاحنتين ارتأى صاحباهما أن يتوقفا في هذا المكان لأنه قريب من المطعم الصغير الذي سيدلفان من بابه الضيق، للاستراحة وشرب كأس الحليب.
لا حل، الأمور معقدة مع هؤلاء الأشخاص لأنهم غير مستعدين للتخلي عن سلوكياتهم التي تشربوها منذ نعومة أظفارهم، ولا حل مع هؤلاء لأنهم يريدون أن يكسبوا اللقمة من فم الأسد، وبأي ظرف وحيلة، ولذلك لا بد من عقاب، وفرض الأمر الواقع على أشخاص يريدون أن يشوهوا الواقع بتصرفات أقرب إلى الفوضى.. صحيح نحن مع كل إنسان يريد أن يعيش من عرق جبينه وبشرف الضمير، لكن لا نتمنى أن يصبح هذا العرق وحلاً تغوص فيه أقدام الذين يريدون إنجاز أعمالهم ولا يستطيعون، ولا نتمنى أن يتورم هذا الضمير ليصبح جبلاً من حماقات ترهق الآخرين، وتنكد حياتهم عندما لا يجدون الاستجابة من أصحاب الناقلات بالابتعاد عن الأماكن المزدحمة والأماكن المخصصة كمواقف لسيارات موظفين وعاملين في مؤسسة ما أو بنك أو مدرسة.

– عن الاتحاد