علي أبو الريش

الصيف يدق أجراس العودة، ويعلن عن حملته الحرارية ذات السعرات العالية، لذلك فإن الكثير من الناس يحزمون حقائب السفر، ويطرقون أبواب البنوك للاقتراض لأغراض الرحلات الميمونة والمجنونة، وهم الآن فقط في انتظار العام الدراسي، للم الشمل والذهاب بعيداً.. قرار السفر قرار محمود، بل إن في السفر فوائد جمّة، ولكن ما يدهش وأحياناً يصدم، عندما يحمِّل الإنسان نفسه فوق طاقته، ويجلد نفسه بالديون، ويسقف ظهره بأحمال وأثقال، لا يطيقها جيبه الفقير، ويملأ رأسه بالأفكار والدوار، فلا يستريح في سفر ولا بعده، لكنه يصر على هذا السلوك، بدافع البهرجة، ولكي يقول عنه الناس إنه سافر إلى هذا البلد أو ذاك، والأهم من كل ذلك لكي يدخل الابتسامة الشفيفة على ذات الحسن والدلال، والتي تريد أن تتباهى أمام الجارات والصديقات، ولكي تقص أمها حكاية البنت التي لا تترك إجازة سنوية إلا وقضتها في الربوع الأوروبية أو الآسيوية.
مسألة في غاية الغرابة، أن يقبل الإنسان مذلة الديون ولا يقبل كبرياء البقاء في بلده ولو لسنة صيفية واحدة.. على الرغم من أن الإمارات بلد في حديقة غنّاء وحديقة في بلد فيحاء، تتمتع بكل مقومات الجمال والكمال، وترتع في مروج الحياة الثرية، بالممتعات والمدهشات والمذهلات من وسائل الراحة والأمان وطمأنينة النفس.. ونحن نسمع في كل سنة عن مصيبة تقع على رأس عائلات لأسباب صحية أو أمنية في كثير من البلاد التي يزورونها ويشدون الرحال إليها، بغية المتعة والاستجمام.
الكثير من الناس يعودون من السفر منهكين، مغمومين، تلاحقهم سهام الديون، ومتاعب السفر في البلدان التي قضوا فيها إجازات التعب والسغب، والغضب.
نقول بكل صراحة، الإمارات أجمل، وابتسامة ست الدلال والجمال للحظة لا تغني من متاعب لاحقة ساحقة ماحقة، مستحقة بسبب العجز المالي، الذي يستقبل العائدين من السفر. لا نريد أن ننغص على أحد، ولا نريد أن نكدر خاطر أحد، لكننا نقول يا جماعة «مدوا رجولكم على قد لحافكم»، ولا تحملوا النفس الأوزار الثقيلة، ثم بعد ذلك تنكفئوا باكين على الفرح المسكوب في تراب الحسرة والندم، لا تضيقوا على أنفسكم بسبب الديون، لأغراض رحلة قد لا تستحق كل هذا العناء والشقاء، والبكاء والدعاء على البنوك التي لا ترحم شقياً ولا تساعد فقيراً، أنقذوا أنفسكم وانفدوا بجلودكم ولا تنتظروا الرحمة ممن لا يرحم، والسياحة في الوطن أجمل وأسهل، ولا تكلف ما يملأ الصدر آهات وزفرات وأنات، ولا تطير النوم من العين في ساعات التفكير، ماذا يمكن أن يفعل المرء غداً مع هذا البنك أو ذاك اللذين يطالبانه بحق مكتسب ولا عليه غبار، أتمنى أن ترفع حرارة الصيف حمى الرغبات في السفر لمن لا يستطيع، ومن يستطيع فهذا خياره وحقه أن يمتع النظر بما يطيب ولا يخيب.

– الاتحاد