اتيحت لي فرصة قراءة دراستين عن ظاهرة الطلاق، الأولى مصدرها التقرير الإحصائي السنوي للإمارات الصادر عام 2010، وتستند إلى مخرجات إحصائية، بينما الدراسة الثانية أعدها مركز الإحصاء بأبوظبي، والمركز، بلا جدال، يعد مرجعية علمية، وأكد فيها أن الأرقام تظهر أن واقعات الطلاق في أبوظبي في انخفاض!

لكن ما أثار دهشتي، أن دراسة ثالثة وقعت في يدي بالصدفة، أجراها صندوق الزواج، ونشرت بمجلة الصندوق “مودة”، في عددها الصادر في يونيو الماضي، وتعتبر دراسة حديثة. ومع أهمية الدراستين الأخريين، سأستعرض نتائج ما توصلت له دراسة صندوق الزواج، وهي مع أهميتها لم يحصل عليها كثير من القراء..

ويشكر لصندوق الزواج اهتمامه بقضايا الأسرة الإماراتية، والتي يتصدرها الطلاق، والعزوف عن الزواج، وظاهرة التفكك الأسري. الدراسة ميدانية اعتمدت أساساً على عينة عشوائية R.S من مختلف إمارات الدولة، وركزت على أسباب الطلاق ومعدلاته، وانتهت بمخرجات أخذت شكل توصيات. ومع أنني لم أحصل بعد على الدراسة كاملة، فسأحاول تسليط الضوء عليها.

وربما أعمل على مقارنتها بالدراستين اللتين سبقت الإشارة إليهما. وقد تراوحت الآراء حول أسباب الطلاق، بين العوامل الاجتماعية والعوامل الاقتصادية، ولعل اللافت للنظر أن نسبة كبيرة من المطلقات (تراوحت بين 15 و29%)، فارقن الحياة الزوجية وهن في مقتبل العمر، ما يفقد المجتمع فرصاً لإنجاب أطفال جدد في سنوات الخصوبة، يضافون لعدد السكان.

وكما هو معلوم، تم إنشاء صندوق الزواج أساساً لتشجيع الشباب المواطنين على الزواج، لضمان استقرارهم وتمكينهم من تأسيس أسر وأبناء جدد، لحل أزمة التركيبة السكانية في مجتمعنا، ومن هنا فإن ارتفاع معدلات الطلاق يخل بالهدف من تأسيس الصندوق، ويهدر قيمة منحة الزواج. وقد أجمع معظم الآراء على أن سوء المعاملة من قبل الزوج والإساءة للعشرة، وكذلك عدم تفهم الزوجة للزوج.

فضلاً عن تدخل الأهل، من أهم العوامل التي قصمت ظهر البعير، يضاف إلى ذلك عدم المعرفة الكافية من الشريكين لبعضهما، للتأكد من التوافق بينهما في التقارب الفكري والميول والعادات والاهتمامات، وهنالك 30% من المطلقين أفادوا بأن طلبات الزوجة المتكررة والباهظة كانت السبب وراء المشكلة.

كما أن الفارق العمري بين الزوجين يخل بشروط الاستمرار في العلاقة الزوجية، إذ بلغت نسبة الطلاق بسبب هذا العامل 81%، وهي أعلى النسب، ويعزى ذلك لإصرار بعض الآباء على تزويج بناتهم لكبار في السن، سواء من الأقارب أو الأثرياء، وتكون الزوجة في الغالب الأعم هي الضحية، مشمولة مع الأبناء.

وأشارت الدراسة إلى أن 64% من المطلقات، أشرن إلى أن بخل الأزواج وعدم تحمل مسؤوليتهم تجاه أسرهم، وإسناد الصرف لتغطية متطلبات الأسرة على عاتق الزوجة إذا كانت تعمل، تعد من أسباب نشوب الخلاف بين الزوجين، كما يعتبر العقم وتدخل الأقارب في الشؤون الداخلية للزوجين وعدم الإنجاب، من أسباب انفصال الزوجين وبنسبة وصلت 43%، لأن غياب الأبناء يزيد من حدة التوتر النفسي.

ويفتح الباب أمام المشاحنات وتبادل الاتهامات بين الزوجين. ورغم تأرجح وتباين معدلات الطلاق هبوطاً وصعوداً، لا بد من الاعتراف بأن نسبة الطلاق في مجتمعنا تعتبر مرتفعة، وأنها أصبحت إحدى كبرى مشكلاتنا الاجتماعية، شأنها شأن البطالة، وتفشي ظاهرة الجرائم الاقتصادية.

ومن منطلق عضويتي في مجلس إدارة “جمعية توعية ورعاية الأحداث”، وبتوجيهات وحرص معالي رئيس مجلس الإدارة رئيس الجمعية، وانطلاقاً من أهداف الجمعية الرامية إلى المحافظة على تماسك الأسرة وحماية النشء من الانحراف، تم تكليفي بإعداد دراسة ميدانية عن الطلاق في مجتمع الإمارات، وقد طبقت هذه الدراسة على 100 من الذكور المطلقين و100 من المطلقات، كعينة من كافة إمارات الدولة.

وتعد هذه أول دراسة ميدانية على المطلقين في مجتمع الإمارات، إضافة إلى أنها دراسة ميدانية نظرية، استندت في مرجعيتها إلى نحو 40 مرجعاً عربياً و20 مرجعاً أجنبياً، إضافة إلى الاستعانة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة للتأصيل الإسلامي لموضوع الطلاق.

وقد أبانت الدراسة أن معدلات الطلاق بجميع أشكاله في ارتفاع، وترافق مع تلك النتائج تبيان العوامل المسببة للظاهرة، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الذاتية أو غيرها من العوامل المتداخلة والمترابطة، وخلصت إلى أن للطلاق آثاراً وانعكاسات سلبية، تلحق بالأسرة والمجتمع سواء بسواء.

وهناك مقولة ثبت صدقها من خلال الشواهد الميدانية والبحوث العلمية في مجال الأسرة، هي أن الأطفال هم أكثر من يتحمل ضريبة الطلاق الكبرى، فالطلاق يؤثر في الحالة النفسية للأبناء، وعلى توازن الشخصية لديهم، ويؤدي إلى اضطراب عملية التنشئة الاجتماعية لديهم.

إذاً، نستطيع القول: إن مشكلة الطلاق لا تؤثر بالسلب على الزوج والزوجة والأبناء فقط، بل لها آثار سلبية على العائلة والقبيلة ككل، بل المجتمع بأكمله

– عن البيان