ياسر حارب

قبل شهرين زار فضيلة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، دولة الإمارات للمشاركة في فعاليات جائزة الشيخ زايد للكتاب، التي اختارته لجنتها ليكون شخصية العام الثقافية.

ولقد كان في زيارته كالبلسم الطيب، لا تجد منه إلا طيباً، فكان، حفظه الله، اسماً على مسمّى، يسعد من حوله، ويبث في قلوب الناس الطمأنينة بأن ما يجري في مصر والأمة مجرد أزمات، وسوف تتخطاها بعقلانية حكمائها وبترابط شعوبها.

وتكريماً لذلك الرجل العظيم أفرجت حكومة الإمارات عن 130 سجيناً مصرياً من الذين صدرت في حقهم أحكام مدنية تتعلق بقضايا مالية، بعد أن قامت الحكومة بتسديد التزاماتهم.

ليس ذلك فقط، بل تعهدت الإمارات، تكريماً للشيخ الطيب، بتخصيص 250 مليون درهم “لصيانة مكتبة الأزهر وإعادة إنشائها على أحدث مستوى، تشبه أو ربما تفوق فيه المكتبات الغربية الملحقة بالمؤسسات الدينية الكبرى أو الملحقة بالجامعات العريقة” بحسب تصريح شيخ الأزهر، إلى جانب إنشاء معهد الشيخ زايد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.

ولقد استطاع شيخ الأزهر أن يُصلح ما أفسده ساسةُ حكومته، الذين لو حكّموا عقولهم وأخلصوا أعمالهم لجعلوه وسيطاً بينهم وبين رؤساء العالم.

ولكنهم لم يكتفوا بمحاربته وزجه في أزمات داخلية، بل إنهم ذهبوا إلى اتهام كل من لا يؤمنون “بدعوتهم” بأنهم إما “كفار ومشركون” حسب وصف نائب رئيس هيئة الإصلاح والتنمية، أثناء محاضرة الرئيس مرسي قبل أيام في استاد القاهرة، للمتظاهرين الذين ينوون الخروج يوم 30 يونيو، أو بأنهم فلول، أو بأنهم “فئة ضالة” كما ورد في وصف عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، للمثقفين الذين تظاهروا ضد وزير الثقافة، ومنهم الروائيان بهاء طاهر وجمال الغيطاني.

وليس ذلك غريباً على العريان الذي لا يتوانى عن استخدام أقذع الألقاب وأقذر الألفاظ ضد من يختلف معه في الرأي والفكر، ولقد صدق الكاتب وحيد حامد عندما قال له في برنامج “ممكن”: “قِف مكانك يا ولد ولا تكن أكثر عُرياً”.

وقبل أيام هاجم العريان، كعادته، الإمارات، وقال: “الإماراتيين ما بيعرفوش يقرأوا صح، ومتخيلين أن هناك تاريخا معينا ستتغير فيه مصر، وللأسف الأساتذة المصريون معرفوش يعلموا الإماراتيين صح”، وأتبع مخاطباً سفيره: “قول لهم إيران النووية قادمة، وأن تسونامي قادم من إيران وليس من مصر، والفرس قادمين، وتصبحوا عبيدا عند الفرس”.

ويحق لي أن أتساءل: هل يظن العريان أنه يجرح الإمارات بتُرّهاته وتفاهاته هذه التي يأنف حتى الأولاد في الشوارع عن استخدامها؟ وهل يظن أنه سيحل أزمة الموقوفين المصريين بكلامه الذي يخلو من أدب، ناهيك عن خلوه من حنكة سياسية أو حتى معرفة بمهارات التواصل؟ ثم يحق لنا التساؤل: ماذا فعل العريان وحركة الإخوان المسلمين للمحتجزين المئة والثلاثة الذين عادوا إلى مصر مع شيخ الأزهر؟

ولماذا أرسلوا مراسيلهم إلى الإمارات للحديث عن الموقوفين الستة عشر فقط، ولم يتحدثوا عن غيرهم من المصريين الموقوفين في قضايا في الإمارات؟ ثم إن العريان لم يتطاول على الإماراتيين فقط، بل حتى على المصريين عندما وصف أساتذتهم، الذين علمونا ودرسونا لعدة عقود وكان لهم الفضل علينا، بأنهم جهلة ولم يُحسنوا التعليم!

أنصحك يا سيد عريان ألا تُحاول إشغال الناس الآن عن فشلكم الذريع في الداخل المصري، عن الانفلات الأمني الذي أدى إلى هروب رؤوس الأموال إلى خارج مصر، والذي أدى إلى انهيار قطاع السياحة، وأتمنى منك ومن زملائك، وأنتم تقودون إحدى أعظم وأشرف دول العالم، أن تُدركوا أن الاحتياطي النقدي الأجنبي على وشك الزوال، وأن عجز الموازنة في تصاعد، والبطالة في ازدياد، وأنكم عوضاً عن أن تبدأوا عهدكم بمصالحة وطنية فإنكم بدأتموه بإراقة الدماء، ونشر الفتنة، وبعثرة الوطنية إلى أشلاء، ثم بعتم القضية الفلسطينية التي تاجرتم بها سنين طويلة على حساب عواطف المسلمين، وأمّنتم مصالح إسرائيل عندما أمرتم حماس بالكفّ عنها.

ولا تنسَ أنكم تجاوزتم شركاءكم في الخليج ومددتم أيديكم إلى “الفرس” الذين تحدثت عنهم، وبعتم سوريا في سبيل الحفاظ على مصالحكم مع إيران وروسيا.

أنتم باختصار، بعتم مصر وقضايا الأمة لحسابكم الخاص، وقد تكون سنة واحدة في الحكم لا تكفي لقياس النتائج، ولكنها كافية لقياس الخطوات والمبادرات التي من المفترض أن تؤدي إلى نتائج في المستقبل. ليتكم تعلمتم من نيلسون مانديلا الذي بدأ عهده، بعد أن عانى أضعاف ما عانيتم، بالعفو العام وبجمع الشعب على كلمة سواء. هل أدركت الآن الفرق بين المناضل الحقيقي والمناضل المزيّف؟

عندما بحثتُ عن سيرة العريان، قرأتُ أنه كان يشرح لزملائه في السجن حِكَم ابن عطاء الله السكندري، فاستغربتُ كيف لرجل نهل من هذا المعين العظيم أن يتحدث كمراهقٍ ضالٍ في الشوارع، فتذكرت قول ابن عطاء: “من أشرقت بدايته، أشرقت نهايته”، وبداياتكم يا سيد عريان مظلمة جداً؛ مليئة بالدماء والكره، ولا صوت في حناجركم سوى صدى طبول الحرب.

تمنيتُ لو أنني أستطيع النزول إلى مستواك والرد عليك بكلماتك، ولكنني تذكرتُ أنني ابن زايد بن سلطان، الذي قال لمصر يوماً: “البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي”.

زايد الذي زرع في قلوبنا حب مصر والمصريين، ولذلك سأتركك غارقاً في كرهك وحسدك، ومُكبّلا بعُريك، تصديقاً للحكمة التي تقول: “كُلٌّ له من اسمه نصيب”، داعياً الله تعالى أن يحفظ مصر وشعبها العظيم، ويرزقها القيادة التي تستحق، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

– البيان