الفجيرة نيوز- ترفض فيلهلمينا فان دي فيج الإعلان عن عدد الأطفال الذين ساعدت على ولادتهم، ولكن الناس هنا يتفقون على أنها ساعدت فردا واحدا من كل أسرة تقريباً على الدخول إلى عالمنا هذا.

قامت ميني، أو منى كما يسميها الناس هنا، وصديقتها جوان إليوت ببناء أول قسم للتوليد في الساحل الشرقي وذلك في عام 1967. وقامت منى بالتوثيق لمراحل تطور “مستشفى الفجيرة للتوليد” عبر كتابها المصور الذي يحمل اسم “الفجيرة رحلة عبر الزمن، عبر عدسة ميني 1964-2000” كما أنه يوثق أيضاً للرحلات التي كانت ميني تقوم بها على طول الساحل الشرقي.

وكانت هذه العيادة هي الوحيدة في المنطقة الممتدة من مسندم إلى مسقط والتي كانت تعاني من شح كبير في خدمات الرعاية الصحية الحديثة والناس فيها يعانون من انتشار الملاريا وارتفاع حالات الوفاة عند الولادة.

وكانت منى وجوان، اللائي درسن التمريض والتوليد في جامعة غلاسكو، لا تقومان هنا بمهام التمريض فقط بل وأعمال الميكانيكا والكهرباء والبناء وحتى العناية بالأسنان. وقامت جوان بمغادرة الإمارات في السبعينات بسبب ظروفها الصحية، بينما مازالت ميني تعيش وتعمل في مستشفى الولادة الذي قامتا ببنائه.

وتمزج شخصية ميني بحياء الراهبة وحكمة الطبيب وقد ولدت في أندونيسيا لأبويين هولنديين و رفضت في بداية الأمر أن تقوم بإصدار الكتاب بنفسها وقالت إنها تتمنى أن يقوم أحد أصدقائها بكتابة ذكرياتها وطباعتها في كتاب بعد وفاتها.

ولكن مجموعة من أصدقاء ميني اكتشفوا أنها تحتفظ بمجموعة تتكون من نحو 1700 صورة تعود بها لعام 1964 ويبدأ الكتاب بصورة تبين اللحظات الأولى لوصول ميني وجوان إلى دبي بالطائرة قادمتين من كازبلانكا.

ويغطي الكتاب ملخصاً بسيطاً لحياة ميني ثم سطرا أو سطرين تحت كل صورة تبين المناسبة والتاريخ وذلك من خلال ما قالته ميني لأصدقائها وهم الشيخ عبدالله بن سهيل الشرقي وعالم الآثار مايكل زيولكوسكي وسالم بالدوين خوري.

ورغم بلوغها سن الثمانيين، إلا أن ميني تقوم بتقليب صفحات الكتاب وتتذكر حتى شجرة العائلة لكل امرأة تظهر صورتها في الكتاب واليوم والتاريخ الذي اندفعت فيه السيول عبر الوادي وأدت لقطع الطرق البرية لمدة 12 يوماً وكيف أن مجموعة كبيرة من الرجال تجمعوا على ظهر سيارة لاندرفور “تاكسي” ومن تحتهم الأغنام والبضائع بينما تتدلى الأقفاص المصنوعة من جريد النخيل بها كميات من الدجاج على جانب السيارة.

وتبين صورة يعود تاريخها لعام 1968 امرأة ضريرة تتلقى المساعدة من حفيدتها للصعود على ظهر حمار ونرى من خلالها كيف أن النساء كانت أجسادهن نحيلة وهزيلة وفي حجم أطفال اليوم. وتقول ميني بفخر: “لا أعلم عدد الأطفال الذين ساعدنا هذه الحفيدة التي في الصورة على ولادتهم”.

وتظهر في صورة أخرى مجموعة من النساء والأطفال وهم يتجمعون في الصباح الباكر أمام المستشفى في انتظار بدء العمل فيها في تماما الساعة السادسة صباحاً، بعضهم تجمع قبل ساعات من ذلك. وتقول ميني: “هذا المشهد يصور يوم عمل عادي في العيادة، إذ كنا لم نشهد الكثير من النساء من قبل، ولكننا كنا نشعر أن واجبنا يحتم علينا العناية بهم ومساعدتهم على الولادة وقد حاولنا كثيراً أقناعهم بالحضور مرة واحدة على الأقل قبل الولادة حتى نستطيع إعطائهم أقراص الحديد”.

وتضيف: “كانت الملاريا منتشرة هنا بكثافة في ذلك الوقت، حتى أنني كنت لا أعلم هل المخاض هو الذي يتسبب في الملاريا لهن أو أن الملاريا هي التي تتسبب في آلام المخاض لهن”.

وكانت ميني وجوان تقومان بمعالجة كل الحالات التي ترد للمستشفى بما فيها آلام الأسنان والظهر ويستقبلن المساعدات الطبية من السويد وبريطانيا بصورة سنوية. وتقول ميني: “كانت مساعدات بسيطة تتمثل بشكل أساسي في أقراص الحديد التي كانت أكثر ما يحتاج له الناس هنا”. ولاحظت ميني وجوان من خلال عملهن في العيادات في الشارقة ورأس الخيمة أن النساء المصابات بآلام في الظهر يمكن علاجهن أحياناً بواسطة أقراص الملاريا.

واكتسبت العيادة سمعة كبيرة على طول الساحل الشرقي بل وعبرت سمعتها إلى الجانب الآخر من الخليج العربي.

وتقول ميني: “كانت الشائعات تنتشر بصورة كبيرة هنا، حتى أن سكان إيران اعتقدوا أن الحبوب التي نعطيها نحن تساعد على الحمل ولكن الحقيقة أن الناس كانوا يعانون من الأنيميا فقط مما يجعل النساء غير قادرات على الحمل”.

وتبين الصور الإصرار والعزيمة الكبيرة التي كانت تتمتع بها ميني وجوان إذ نراهما في بعض الصور وهما تقومان بتغير إطار سيارة أو وضع حجر الأساس للعيادة الجديدة أو فحص مولدات الكهرباء.

وتدار العيادة على أسس خيرية، حيث تبلغ تكلفة عملية الولادة فيها نحو 55 درهم فقط، ولكن الشيء الحقيقي الذي يجذب سكان الفجيرة لها هو إحساسهم بأنها جزء من عائلاتهم.

ويقول الشيخ عبدالله: “توجد اليوم الكثير من المستشفيات الحكومية والخاصة في الفجيرة، ولكن الناس يصرون على الحضور لهذه العيادة، لأنها تشكل أهمية كبيرة بالنسبة للكثير من ذوي الدخل المحدود وأكثر ما يهم الآن هو أن تظل هذه العيادة تعمل حتى بعد غياب ميني عنها”.

وتقول ميني: “آه تذكرت، علي زيارة الأطفال مرتين في اليوم للاطمئنان عليهم”.

– ترجمة الصادق أحمد نقلاً عن صحيفة “ذا ناشونال”.

ملاحظة المحرر : وكان سمو الشيخ مكتوم بن حمد الشرقي قد شرف حفل إصدار كتاب “الفجيرة رحلة عبر الزمن” الذي أقيم مؤخراً بفندق هيلتون الفجيرة تحت رعاية صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، عضو المجلس الاعلى حاكم الفجيرة