علي أبو الريش

«الإنسان لا يشرب من النهر مرتين» بروتا جوراس..
ربما ينطبق هذا المثال، على حال العرب، كونهم شعوباً تختزل الزمان في المكان المحدد، وتجلس رافعة الأيدي بانتظار أن ينزل المطر صيفاً .. ولكن عند الشعوب الأخرى، فالإنسان هُناك يستطيع أن يشرب من النهر مرتين، لأن سرعة الأفكار هناك أبلغ من سرعة جريان النهر، الأمر الذي جعلهم شعوباً تتجاوز نفسها عندما آمنت بما قاله ويدرو فيلسوف الأنسنة أن الإنسان مقياس كل شيء، كونه الصانع لمفردات حياته والمنتج لأفكاره، التي لا تأتيه في الأحلام، وإنما عن دراية بالواقع واختبار معطيات الطبيعة، واعتبار أن ما ينفع هو الحقيقة كما يقول وليم جيمس مؤسس البراغماتية..
ما أصعب العيش في ظل خيمة إنسانية منخفضة السقف، أفرادها يعيشون على مبدأ الحل الواحد، والفكرة الوحيدة، الأمر الذي يحيل الحياة إلى مسرح منسدل الستارة، وأن ممثليه مهرجون يخوضون معركة الوجود واللاوجود بضجيج يصم الآذان ولا يحقق معنى حقيقياً للإنسان .. ما يحصل اليوم من عراك وانتهاك، واستهلاك للطاقة البشرية الخلاقة هو ما كان يقوله فيلسوف الوصفية أو جست كونت، مؤسس علم الاجتماع الغربي، إن الوصفية لا تعني خروج العقل من عقال اللاعقل، كون اللاعقل مربط فرس الإنسانية المختبئة خلف ستار «يجب عليك» ما يحدث الآن في الوطن العربي، هو تطبيق المبدأ بالحرف الواحد «يجب عليك» وعندما تكبر هذه المغردة تصبح علة الإنسان ومعضلته في مواجهة غنى الطبيعة وثرائها الفاحش .. عندما لا يقبل الإنسان أنا الآخر كمرادف طبيعي، لتلوين الحياة، بالحب، والمعنى الأجل، لاستمراريتها تضيع البوصلة وترتفع الأمواج، ويغرق المركب، ويذهب أفراده إلى العدم .. لا بد من وعي بقيمة الاختلاف، الاختلاف الذي يؤدي بدوره إلى الحب، حب الآخر، حب الوطن، والذين يغرقون اليوم في المعترك الدموي، هؤلاء عبثيون كارهون مدمرون لا نتيجة لأفعالهم سوى، القضاء على شيء اسمه الوطن .. لأن الذي لا يحب لا يستطيع أن يصنع وطناً، والأرض الكارهة، لا تنبت عشباً، والبحر الأحمق لا يجاور سفنه.. هكذا هي الحياة، لا بد من الحب، لا من الخروج من شرنقة الفردانية البغيضة، لا بد من اعتناق فكرة أنا وأنت لا بد أن نعيش على ظهر سفينة واحدة، فشذوذ أحدنا يغرق السفينة ومن عليها .. هكذا يُفهم الحب وهكذا يفهم الوطن على أنه ليس مساحة جغرافية فحسب، بل ميلاد وجود، ولا وجود من دونه.
«فقليل من الحب لا يضر».