عائشة سلطان

أتساءل أحياناً حين ترهقني شاشة التلفزيون بما تضخه أمامي من كم هائل من صور الصراع اليومي في شوارع العالم: لماذا يتوجب عليّ كإنسان لا حول لي ولا قوة له أن أتابع كل هذا الذي يحدث في كل مكان؟ لقد أصابتني متابعة الحرب على لبنان صيف 2006، ثم أحداث غزة التي تلتها بحالة من الإعياء النفسي، فالمتابعة التي استدرجتنا لها شاشة التلفزيون لم تكن عادية بأي حال من الأحوال، لقد انتقلت غرف نومنا إلى غرف المعيشة، وفقدنا شهية الطعام والحياة الاجتماعية، فنحن في نهاية الأمر أشخاص عاطفيون نرتبط بهذا العالم إنسانياً، ولنا في تلك المدن أحبة وأصحاب، ولنا في النهاية علاقات ووشائج تذهب عميقاً إلى صهريج التاريخ لتنهل منه استيهامات لا نهاية لجذورها.
قررت بعد ربيع 2003 وسقوط بغداد بعد كذبة كبرى عشناها وسقطنا في فخ نهايتها البشع ألا أتابع شيئاً، فقد دخلت بعد أن رأيت جنود المارينز يتمشون على جسور بغداد في نوبة بكاء، إنه بكاء الشفقة على الذات بعد أن انكشف الخداع وسقطت الأقنعة، لكنني عدت – ومعي كثيرون – لمتابعة الحرب الإسرائيلية على لبنان 2006، ثم الحرب على غزة، وبعدها قلنا لن نتابع شيئاً، فقد اهترأت أرواحنا من مشاهد الأشلاء والدم والخراب، حتى جاءت الثورة المصرية فعدنا نتعلق بالشاشات مجدداً وما كدنا نفيق حتى انفجر أكثر من جرح وأكثر من ثورة!
صار مشهد الاعتداء والضرب والقتل اعتيادياً، ويومياً ومتاحاً، دون أن يكون بيدنا فعل أي شيء، كنا كما يصفنا بعض منظري الإعلام “المشاهدين السلبيين”؛ لأننا لم نكن نستطيع فعل أي شيء آخر سوى الفرجة، لكن الفرجة كفعل تلقٍ إعلامي كان قاسياً وغير رحيم على الإطلاق، كان أشبه بممارسة العجر العلني، وعلى الجانب الآخر كان يتم تكريس حالة من اللاجدوى من كل ذلك ما لم يحظ المشهد بدعم أميركي أو أوروبي أو تحالف أممي أو..
انتهت الثورة المصرية في 18 يوماً، كانت ثورة قياسية بكل المعايير، بدأت في 25 يناير وأعلن الرئيس تخليه عن السلطة للمجلس العسكري في مساء 11 فبراير وهلل الجميع، لكن ها هي مصر اليوم تتخبط في الفوضى وتحالفات أعداء الأمس من العسكر والإسلاميين.. كمشاهد أشعر بأنه دائماً ما يتم استغلال تعاطف الناس وتمرير الصفقات من تحت الطاولات لنفاجأ بأن من وما صفقنا له بالأمس ما عاد جديراً بأي تصفيق.. أي اختلالات تجتاح العالم العربي إذن؟ أي ترتيبات وأي تقسيمات؟
هل تختلف دمشق عن طرابلس؟ لماذا إذن حين ثار الليبيون وقف معهم العالم وتراكض ساسته يميناً ويساراً ونبشت ملفات القذافي وعائلته حتى النخاع، بينما لم يتفق هذا العالم نفسه على فك شيفرة الوضع السوري المعقد؟ ما هو المختلف بين الثورتين والظلمين؟ وإذا كنا نحن المتلقين السلبيين نقيم الأمر عاطفياً، فكيف يقيمه أهل الحل والعقد؟ الخوف من تهور إيراني ضد تل أبيب؟ الخوف من الشمال، حيث يلغم “حزب الله” الجنوب اللبناني بترسانة الأسلحة؟ هل سوريا لغم الشرق الأوسط الذي لا يريده أحد أن ينفجر لأن الجميع سيتضرر منه؟
لأن الأسئلة أكبر من طاقتي على الاستيعاب، قررت أن أغض الطرف عن مشهد الدم في سوريا وغيرها، فما عدت احتمل مرآه أكثر، ولا تتهموني بعدم الاهتمام فقد اهتممت حتى كدت أن أراجع طبيباً نفسياً.

– عن الاتحاد