فضيلة المعيني

كما في البيوت حيث تخلى الكثيرون عن الهاتف الثابت مع انتشار خدمة الهواتف المتحركة، هو حال العديد من دوائر الحكومة والقطاع الخاص، التي أصبحت تعتمد على البدالات الإلكترونية التي تتطلب إدخال رقم تحويلة الموظف أو القسم المطلوب ـ وهذه وحدها حكاية ـ أو الأرقام المجانية وهذه أفضل حالاً، أو الجهات التي أراحت نفسها وتشعرك أنه لا هواتف فيها أو أن الجميع في إجازة، وهناك من طور أداء هذا الجهاز فاعتمد على أجهزة بدالة متطورة، فيها من التقنيات الحديثة ما يسهل العمل واحتفظت بميزة وجود موظفين مدربين يردون على استفسارات المتصلين ويكفونهم مشقة الحضور إلى الدائرة، وهؤلاء ليسوا بالطبع جميعاً بالكفاءة نفسها وطول البال، وأحياناً غير قادرين على فهم السؤال ومنح الجواب المناسب.

يوم الخميس الفائت أجريت اتصالين بجهتين مختلفتين، للاستفسار عن معلومات بسيطة، أما الأولى فلم أخرج منها بشيء سوى الدوخات السبع من موظفة بدالة تحولني على القسم المختص، من تحويلة إلى أخرى ولا حياة لمن تنادي.. وحقناً لأعصابي استغنيت عن الخدمة.

لا أرى داعياً هنا لذكر اسم هذه الجهة، لوجود نصف آخر من الكوب وجدت فيه ما لذ. هذا النصف كان في إدارة مرور عجمان، وكان الاستفسار عن تفاصيل لم أجدها في مخالفة مرورية سجلت في ملفي المروري في دبي، وساورني شك في وجودها، فقررت الاتصال وتبعات الاتصال السابق في رأسي، لكن شتان بين هذا وذاك.

استبشرت بترحيب موظفة البدالة وهي تقول «الإدارة العامة لشرطة عجمان، أهلاً بك»، ثم حولتني على قسم المخالفات، حيث حدثتني موظفة، عسكرية أو مدنية لا أدري، لكني وجدت عندها أجوبة على استفساري فأخبرتني بنوع المخالفة ومكان وقوعها وهو شارع جديد لم أتذكر أني مررت به، وشعرت بأني أريد المزيد فدلتني على قسم «الرادار»، فعدت إلى موظفة البدالة والأسلوب الجميل ذاته، وفي قسم الرادار أيضاً وجدت ما سرني من طيب التعامل من موظف هناك، وأقنعني أني فعلاً مررت بذلك فصورة السيارة أمامه على الطريق بسرعة 103 كيلوات والسرعة المحددة هي 100 كيلومتر فقط، ودعاني للحضور إلى الإدارة إن كان لدي شك.. وأي شك والصورة أمامك، أجبته.

أنهيت الاتصال، ثم تذكرت أني لم أسأل إن كان بإمكاني الدفع في مرور دبي، فعدت إلى موظفة البدالة وهي على الحال نفسه من الترحيب، بل وأجابتني بأنه بإمكاني الدفع هناك لأني لن أستفيد من قرار الخصم الذي لا يسري على مخالفات 2012، فقلت لها مداعبة؛ وماذا إن دفعت ثم صدرت في اليوم التالي أوامر بالخصم؟ ضحكت وقالت «هو حظك إذن».

سردت ذلك لتبيان أن تميز الموظف لا يكون فقط في خدمة المتعامل الذي يقف أمامه وقد يستدل على شخصيته ويتعرف عليه، بل حين يتعامل مع الجمهور عبر الهاتف دون أن يعرف الوزير من الخفير، ويعامل الجميع سواسية.

هؤلاء الموظفون لم يأتوا عملًا خارقاً، ولم يفعلوا ربما أكثر مما تمليه عليهم واجبات الوظيفة، ولم يدفعوا بالطبع شيئاً من جيوبهم، لكن أسلوب تعاملهم مع الناس وتحليهم بطول البال على أصحاب الحاجة، كل ذلك يكفي لأن يشعر المتعامل مع هذه الإدارة أنه مهم بالنسبة لها وأنها موجودة من أجل خدمته، وتسعى لأن تكسب رضاه، لا إذاقته المر كله.

هؤلاء فقط يكملون الصورة الجميلة في هذه الإدارة، وما قرار سمو الشيخ عمار بن حميد النعيمي ولي عهد عجمان رئيس الشرطة والأمن العام، الذي رفض عروضاً قدمتها شركات مزاد الأرقام المتميزة ضمن فئة «C» الجديدة التي طرحتها إدارة مرور عجمان أخيراً لشراء هذه الأرقام بما لا يقل عن نصف مليار، ودفعه لمنح هذه الأرقام لأبناء عجمان بلا مقابل، سوى العنوان الجميل لتلك اللوحة.

– عن البيان