سامي الريامي

ما يحدث في «تويتر» حالياً، هو انعكاس واقعي للمجتمع، شرائح مختلفة يمكن ملاحظتها بوضوح، قلةٌ عقلانية متأنية متروية تحاور وتناقش بمنطق وبأسلوب حضاري، وأغلبية لا تعرف الفرق أبداً بين الحوار الحضاري والاختلاف في وجهات النظر، وبين الشخصنة والشتيمة والسبّ، نماذج واقعية موجودة لا تمثل نفسها بقدر ما تمثل ظواهر تحتاج إلى تحليل ودراسة وتعمق، فالمجتمع لم يكن مهيأ يوماً للحرية المفتوحة، لأن الأغلبية منه لا تعرف معنى هذه الحرية، لم تمارسها، ولم تجربها، في أي مكان وزمان، لم يحدث ذلك في المنزل، أو في المدرسة، أو في أي مكان آخر، لذلك فالاختلاف يعني عندها التناحر، وحرية التعبير تعني باختصار حرية التجاوز والتجريح والسبّ الشخصي، والانتصار عند هذه الشريحة يعني الوصول إلى درجة عالية من الشتم والتجريح بكل مفرداته، ولا يمكن معها أن تسمع صوت الخصم!

عندما وجد هؤلاء فضاءً مفتوحاً، بعيداً عن الرقابة التي اعتادوا عليها منذ الطفولة، ولا يمكن أبداً كبح جماحهم من دونها، ذهبوا بالحرية إلى أبعد حدودها، بل تجاوزوا كل الحدود، الجاهل منهم نشر جهله، والبذيء منهم نشر بذاءته، والمسيس منهم يحاول نشر أيديولوجيته، وجميعهم يحاولون استغلال مساحة كبيرة جداً حصلوا عليها فجأة أومن دون مقدمات، ولا إرهاصات تهيئهم لاستغلال هذا الفضاء، فكانت العشوائية في الممارسات، ومحاولات الانقلاب على واقع عاش معهم سنوات طويلة، وكل منهم وجد ضالته، ووسط هذه الرغبات والنيات المختلفة، وفي عالم مفتوح مملوء بالتناقضات، أصبح «تويتر» ساحة حقيقية للمطاحنات والمشاجرات.

لا ننكر أبداً أن هذه المساحة بدأت تؤثر سلباً في مجتمع صغير كمجتمعنا، على الرغم من أن البعض لايزال مصراً على أن «تويتر» لا يمثل مجتمعاً، والمقيمون في هذا العالم هم فئة صغيرة نسبياً مقارنة بحجم الدولة، ولا يمكن أن يشكلوا ظاهرة، كما لا يمكن اعتبارهم مقياساً، وتالياً لا يمكن أن نعتبر القضايا المطروحة فيه، ولا الجدل هناك، قضايا رأي عام، أو جدلاً عاماً يحتاج إلى بحث، ولكن حتى إن كان ذلك صحيحاً، وحتى إن كان «تويتر» قليل الانتشار مقارنة بحجم المجتمع، فإنه من دون شك أصبح يشكل مؤشراً، وبإضافته إلى بقية المؤشرات سنكون رصدنا المجتمع بأسره، وتالياً لا ينبغي تجاهل ذلك أبداً.

الأمر أصبح مقلقاً، يشعر بذلك كل من فتح حساباً في «تويتر»، والمعالجة يجب أن تبدأ الآن وليس غداً، لاشك في أن المعالجة صعبة، لكنها ليست مستحيلة، والجميع مسؤول عن إعادة الطمأنينة ونبذ الأجواء السلبية، والبداية يجب أن تكون في المنازل والمدارس والمساجد، يجب أن تتغير معاملتنا للجيل الجديد، علنا نتدارك الخطأ مع الجيل السابق.

صحيح أن هناك جوانب أمنية، يجب عدم إغفالها، لكن المعالجة يجب أن تكون شاملة، بحيث لا ننسى أيضاً الجوانب الاجتماعية، وزرع الحب والتلاحم الاجتماعي، لا ننسى غرس القيم، وتعليم الجيل الجديد معنى حرية التعبير، والفرق بينها وبين التعدي على الآخرين، حتى لو أضفنا ذلك إلى المناهج، علنا نجد جواً أفضل في «تويتر» المستقبل!

– عن الامارات اليوم