محمد عيسى

“دقق على هذه السيارة فوجدت صالحة للسير”، من منا يتذكر هذه العبارة التي لازمت أجيالاً، وأظنها لاتزال حاضرة في ذاكرة أجيال تجاوزت أعمارهم العقد الثالث، أما جيل اليوم فلا أظنه يعرفها، ولم يرها مكتوبة بذلك الملصق الجميل الذي يوضع أعلى الجهة اليسرى من زجاج المركبات التي تجتاز التدقيق الخاص بأسبوع المرور.
أيام زمان كان حتى أسبوع المرور غير، شاركت أكثر من مرة ضمن فريق الكشافة بالمدرسة في حملة أسبوع المرور للتدقيق على السيارات، ووقفت مع رجال الشرطة، بملابسهم الخضراء الداكنة، فيما كنت أرتدي بدلة الكشافة، موشحاً بشعار أسبوع المرور، ذلك الشريط الأحمر النازل من أعلى الكتف الأيسر الى الخصر الأيمن، ومع صافرة رجل المرور أوقف السيارات، وأطلب من سائقيها تشغيل الأضواء، إشارتي الانعطاف إلى اليمين أو اليسار، مساحات الزجاج، ولا بأس بذر قليل من الماء على الزجاج وإن كان نظيفاً، للتأكد من صلاحية المساحات، ثم اتوجه لخلف المركبة، فأطلب من السائق الضغط على الفرامل، إشارتي الانعطاف من جديد، وضع الغيار في وضعية الرجوع الى الخلف “الريوس”، بعد ذلك اتفحص ملكية السيارة، وكانت حينها دفتراً أبيض، بعناوين ذهبية بالغلاف، للتأكد من صلاحية المركبة، ولم يكن حينها التأمين إلزامياً، ثم لا بأس بنظرة أخيرة على الإطارات، قبل أن أضع ذلك الملصق الأنيق، بالنسبة لنا على الأقل، على الزجاج الأمامي.
أما سيئ الحظ وقتها، من لم يجهز سيارته ويأخذها للكهربائي، والورشة قبل أسبوع المرور، من لم يتجاوز ذلك الفحص السريع، تحجز ملكية السيارة لحين إصلاح مركبته، واتمام الملاحظات.
كان أسبوع مرور بحق، المدارس تشارك فيه بفعالية، مسيرات وأناشيد، برامج، مسرحيات، استضافة رجال الأمن لإلقاء كلمة بطابور الصباح بالمدارس، حتى الحصص تتحول إلى أسبوع مرور، مواضيع التعبير تخصص للمناسبة، حصة الرسم لا نرسم فيها خلال أسبوع المرور وقبله بأسبوع سوى عن السيارات والحوادث والعبور الآمن، الكل يتنافس لتفوز رسمته بدخول المعرض المروري، تفاعل كبير، المسيرة الضخمة في اليوم الأول تعطل فيه المدارس، أو كنا على ما أظن نخرج بعد الحصة الثانية أو الثالثة للمشاركة في الكرنفال الذي يجوب شوارع المدينة، وتشارك فيه كل المؤسسات والدوائر والهيئات والوزارات وحتى البنوك وشركات المقاولات الكبرى وغيرها من القطاعات الخاصة كانت تشارك بالمسيرة الكرنفالية، الأسر، الأطفال، النساء، الشيوخ أولياء الأمور، مواطنين، مقيمين، ويومها كانوا أقل من اليوم بكثير، يصطفون على جانبي الشارع لتحية المشاركين، والسيارات المزينة، تتقدمها سيارات المرور بدوي أصواتها التي لا تكون مزعجة في ذلك اليوم أبداً.
اليوم اختفت كل تلك المظاهر، وتحول أسبوع المرور إلى مناسبة رسمية أكثر منها حدثاً شعبياً، ومع التحول فقد الكثير من هويته، وتأثيره، ومكاسبه، وبهجته، ومضمونه، فيمر علينا أسبوع المرور دون أن يكون قد “دقق على هذه السيارة فوجدت صالحة للسير” أم لا.

– عن الاتحاد