رصيد المرأة بالعلم والمعرفة والعمل هو أحد وأهم عامل إيجابي في تقدم المجتمع، والمرأة في الإمارات كان لها دور ملحوظ في تطور الحركة الثقافية والفنية والاقتصادية التي رافقت بناء الدولة الحديثة، وهناك أسماء عديدة من هؤلاء الرائدات ساهمن وما زلن يساهمن في التطوير المستمر، ومن هذه الأسماء الشاعرة والمخرجة السينمائية نجوم الغانم التي تعمل وتحلم بأن يكون لها دورها الإبداعي الفعال في نهضة السينما في الإمارات، وهي تتحدى الصعاب التي يمكن أن تعترض طريقها، سواء كانت فنية أو اجتماعية أو تقنية.
والشاعرة تدرك جيدا أن الفن السابع عمل جماعي يضم فريقا كبيرا منسجما ومتكاملا، وهي تؤمن بأن النجاح دائما مرتبط بالتحدي وقد قدمت مجموعة من الأعمال السينمائية التي لاقت نجاحا كبيرا محليا وعربيا، تضم العديد من الأفلام الروائية القصيرة، والوثائقية الطويلة، منها: ‘ما بين ضفتين’ حيث ترصد فيه تجربة (العبرة) ما بين ضفتي خور دبي، كما قامت بإنتاج وإخراج الشريط الوثائقي الطويل ‘المريد’ وهو عن تجربة أحد مشاهير المتصوفة الإماراتيين الشيخ عبد الرحيم مريد، كما أن فيلم ‘حمامة’ حاز على الجائزة الأولى عند عرضه الأول في مهرجان دبي السينمائي الدولي، وجاء فيلم ‘أمل’ أيضا ليحصل على جائزة في مهرجان دبي الأخير. إن التاريخ لن ينسى أن نجوم الغانم من رائدات هذا الفن الجميل وهي جزء هام ومضيء من ذاكرة الإمارات التي تعتز بها السينما الوطنية والعربية. وها هي تحدث قراء ‘القدس العربي’ عن بعض ملامح من تجربتها الإبداعية:
ـ الشاعرة نجوم دخلت باب الفن السابع بقوة ونجاح واجتازت الكثير من المصاعب، كيف ترى عالم السينما الخاص بعملها كمخرجة، والسينما الإماراتية بشكل عام؟
* ‘أعتقد أن الجانب الدقيق لسؤالك أني دخلت السينما من باب الأدب، من باب القصيدة، يمكن هذا ما يربطني بالسينما والصورة بشكل خاص، وبشكل يجعل التحدي مع الصورة قائما، ودائما فيه أسئلة. الآن، ماذا تحقق على هذا الصعيد؟ أنا أعتقد حتى الآن أني لم أستطيع أن أحقق الكثير من أحلامي في السينما لأسباب كثيرة. والأسباب هي فنية، وربما تكون لها علاقة بالإمكانيات بشكل خاص. حلم السينما حلم كبير جدا، وهو ليس سهل التحقق مثل القصيدة أو الشعر، لأن القصيدة هي عمل فردي بحت وخاص جدا، وشخصي جدا. أما العمل السينمائي، وخاصة إذا كان المشروع كبيرا فهو عمل جماعي وعمل كبير ويحتاج إلى جهود الآخرين معي، وبشكل احترافي عال. هذه المسألة ليست سهلة، أنا أؤمن بأن لدي الإمكانيات الأكاديمية والعملية، أصبح لدي الخبرة الكافية لأن أستطيع أن أدير أعمالا سينمائية بالحلم الذي لدي، لكن الإمكانيات الأخرى التي نحتاجها نحن من أجل أن نحقق هذه الأحلام ليست بالأمر الهين في منطقة هي لم تشهد السينما بالشكل الذي يجب أن تكون عليه بالمعنى الدقيق من الجانب التقني والفني، ومن جانب المحتوى أيضا. أعتقد أنه يقع على عاتق السينمائيين الخليجيين مسؤولية كبيرة جدا، هو النهوض بالسينما كفن راق، وكفن يجب أن يوهب للجمهور، بشكل يستحقه هذا الجمهور’.
ـ ماذا عن الفيلم الروائي، إذا تجاوزنا الفيلم الوثائقي قليلا؟
* إذا عدنا إلى ما قلت لك فيما يتعلق بالفيلم الروائي الطويل، فهو يحتاج إلى إمكانيات كبيرة جدا على صعيد التنفيذ، وهذا الأمر ليس بالسهولة. صحيح أن لدينا ممثلين أصبحوا جيدين للسينما وجيدين للمسرح، على ما أعتقد، ولكن اللغة السينمائية والتناول السينمائي، والوقوف أمام الكاميرا السينمائية يختلف كثيرا ويحتاج إلى ممثلين لديهم الخبرة في الوقوف أمام هذه الكاميرا، وأظن أن هذا يحتاج إلى أن الممثل أيضا يجب أن يتعب على نفسه من أجل أن يكون جاهزا للخوض في تجربة من هذه التجارب. أنا أتابع ما ينتج على صعيد السينما الخليجية، وأظن أننا نحتاج إلى الكثير من التعب الإضافي في هذا السياق، وأيضا في سياق السيناريو الخاص بالفيلم الطويل، على الصعيدين في الحقيقة: الصعيد الوثائقي والصعيد الروائي. السيناريو ضعيف جدا في منطقة الخليج، وأيضا مساحة الحرية الاجتماعية هي ضيقة. الناس هنا محافظون يجب أن نعترف بهذا الأمر، هم ربما يقبلون أن يروا أفلاما أجنبية تتحدث بحرية وتقترب من الشخصيات بحرية، ربما لا يمانعون أن يشاهدوا أفلاما عربية تتمتع بحرية معقولة، ولكن أيضا يستكثرون علينا الحرية الكاملة في التناول. ولكن عندما يأتي الأمر إلى حالنا نحن في منطقة الخليج، الحساسية تزداد.
ـ هل المقصود حساسية الفنانين أو حساسية الجمهور؟
* ‘أقصد الحساسية المجتمعية بالتحديد، الحساسية القبلية بالتحديد، الحساسية العشائرية بالتحديد، لأننا نحن أسرة واحدة، ربما قبائل عربية تعرف بعضها البعض، وهي تريد أن يبقى شكل المرأة بالشكل الذي تريده، ودور الرجل بالشكل الذي تريده، نحن شعوب تؤمن بالاقتراب من الأشياء بشكل خفيف ومجامل، فيه كثير من التهذيب، يريدون الطرح دائما فيه أبوية، يجب أن تكون مناقشة الأشياء بشكل يحافظ على شروط الحياة الاجتماعية التي هي القبلية بالتحديد، الأدوار وطريقة الحديث. أعتقد أن هذا في السينما صعب، السينما المؤثرة هي السينما التي تناقش القضايا الساخنة، هي السينما التي تناقش القضايا الصعبة، تطرح وتناقش العلاقات الصعبة، العلاقات المعقدة، العلاقات التي فيها الكثير من الصراع. ولهذا السبب تكون مثيرة وتشد اهتمام المشاهد وتقبض على حضوره واهتمامه، تجعله متلهفا وشغوفا لمتابعة القصة، ومتورطا فيها أكثر. كلما زاد التعقيد، وكلما زادت الدراما، كلما تورط هو واقترب من القصة بشكل أكبر. هذا التناول بحد ذاته، والذي يعتبر من تحديات السينما في العالم وفي أي مكان، نحن لا نستطيع أن نقوم به هنا بسبب الوضع الاجتماعي. نحتاج أن نتجاوز هذه العلاقة الأبوية إذا أردنا أن نحقق سينما مختلفة.’
ـ وماذا عن التصوير التي تقدمها السينما الأجنبية سواء الأمريكية أو الأوربية، أو حتى الكورية وكما شاهدنا أول أمس في العروض الكورية، مما يشعر المشاهد وكأنه في المعركة، لماذا التصوير عندنا وحتى ما صور في المغرب مثل فيلم ‘تورا بورا’ نفس المكان، والكومبارس نفسه، لكن الذي يصور في السينما الأمريكية والأوربية يختلف كليا عن الأعمال العربية؟
* ‘ طبعا تختلف التقنية، أحدث الكاميرات التي تستخدم في كثير من الدول المعروفة بالصناعة السينمائية المتقدمة، هناك نجد صناعة سينمائية متقدمة ومتجددة، وعلى سبيل المثال: الكاميرات التي يستخدمونها في تونس كم عمرها؟ هناك شباب كثيرون مازالوا يستخدمون كاميرات 16ميلي، هذه أصبحت الآن تقنية قديمة، هناك الآن يستخدمون (ديجيتال) متطورة تعطي نفس حساسية الكاميرا السينمائية وهذا يساعد العمل الفني بأن يظهر بشكل نوعي متميز. ولكن المهم من يقف خلف الكاميرا، ومن هو مؤهل فنينا بأن يعمل على نظام هذا النوع المتقدم من الكاميرات، ويعرف برمجتها، من يستطيع أن يقوم بهذا العمل؟ إن المصورين الموجودين في الوطن العربي يحتاجون أن يكونوا بهذا المستوى من الخبرة حين يحملون هذا النوع من الكاميرات، يحتاجون إلى التدريب المتقدم والمتجدد والحديث ليستطيعوا استخدام هذا النوع من الكاميرات’.
ـ ولماذا نجد في الإعلانات تقنية متقدمة؟
* ‘إذا ذهبنا إلى الإعلان مثلا وأنا أكرر هذه المسألة، الكثيرين يتحدثون عن صناع سينما وصناعة سينما، ويغفلون مسألة مهمة جدا أننا نحن نلقب أنفسنا بصناع سينما، مع أننا لا نملك صناعة سينما، بالمعنى الحقيقي للكلمة، بمعنى البنى التحتية الحقيقية للصناعة السينمائية، نحن لا نملكها. نملك بنى قوية تلفزيونية، نملك البنى للإعلانات التلفزيونية، أو للإعلان التجاري، نملك الإمكانيات ونوظفها كثيرا للمشاريع المؤسساتية، وهي مشاريع مؤسساتية دعائية في الحقيقة أكثر منها إبداعية، لم يصل الأمر للإبداع. نحن نطالب كثيرا ولكن لا نستثمر كثيرا، يجب أن نكون عادلين في هذه المسألة، عادلين كمؤسسة رسمية، وعادلين كمبدعين وكفنانين، وأيضا عادلين كممولين، لأني أؤمن بأن المؤسسة الرسمية ملقى على عاتقها الكثير من المسؤوليات. ولكن أيضا القطاع الخاص مطالب بأن يساهم في تنمية الصناعة السينمائية في المنطقة، وليس فقط المؤسسات الرسمية. لكن الصناعة السينمائية تحتاج إلى مؤسسة رسمية، مثلما نبني المناطق الحرة بأموال رسمية نحن نحتاج إلى بناء استديوهات، وبنى تحتية قوية جدا لصناعة سينمائية’.
ـ وأين المعاهد والجامعات؟
* ‘هذا شرط جوهري وأهم شرط، لا يمكن أن تعطي كاميرا لشخص لم يتعلم، لشخص يدعي فقط أنه هو موهوب، على عيني إني أحترم الموهبة وأقدرها، وأنا أسمع كلمة الموهبة في المنطقة العربية كل يوم، لكن موهبة بدون خبرة عملية، وبدون إمكانيات أكاديمية، إذا لم يتعب هذا الشخص على نفسه كثيرا، يمكن أن تهتز موهبته أمام التنافس الشريف، لا تستطيع أن تصمد أمام الأعمال الكبرى’.
ـ عندنا طلاب تذهب إلى الخارج لتكمل الاختصاص في الفنون السينمائية وغيرها، لكن يبقى المنشأ والتعليم الأساسي له الأهمية في تنمية الموهبة إلى جانب العلم، كيف ترين مسألة التعليم وأهميتها برفد الموهبة وإغنائها؟
* ‘التعليم أمر لا يمكن الاستغناء عنه، والتجربة مسألة ضرورية جدا بعد التخرج، لأن التجربة هي التي تضع التعليم على المحك، وهي التي توجد المهارات التي اكتسبت خلال المرحلة التعليمية. التعليم النظري أيضا غير كاف، يجب أن نذهب إلى التعليم العملي، خاصة في هذا الحقل بالذات. التعليم النظري يجب أن يكون مترافقا مع التعليم العملي، وبنفس المستوى والكثافة، وبنفس القوة، وفي بيئات هي أصلا تقوم بالإنتاج السينمائي المحترف. حين أتعلم وأذهب إلى بيئة وصناعة سينمائية متقدمة، لأعمل ضمن هذه البيئة، المسألة تختلف كثيرا عن أني أذهب وأعمل في منطقة نائية وبإمكانيات محدودة جدا، فنية وتقنية وأيضا مهنية، لا يمكن أن تكتسب نفس الخبرة العملية وبنفس الجودة التي يمكن أن تكتسب لو نحن ذهبنا إلى اليابان، على سبيل المثال أو إلى كوريا، أو سنغافورا، لن أقول أوربا حتى لا يستكثرونها علينا بعد. لكن أنا أذهب إلى البيئة الفنية والمهنية والتقنية الصحيحة لاكتساب الخبرة هناك، وليس إلى بيئة فقيرة أصلا في الصناعة. البيئة الفقيرة في الصناعة ستظل تنتج ناسا فقراء في الجانب الفني وفي المضمون، ولكن يجب أن لا نتنازل عن المضمون. نحن قضيتنا الكبرى الآن هي المضمون، الاقتراب من الموضوعات بهذا الشكل الذي يحدث عليه اليوم خطأ للسينما المتقدمة، للسينما المؤثرة، لا يمكن أن ينفع ولا يمكن أن يؤثر حتى في الناس التقليديين لأنه غير حقيقي. أنت إذا تريدين أن تقتربي من الموضوعات يجب أن تتوجهي إليها وتقتربي منها بشكل حقيقي، وبشكل مؤثر، وبشكل يكسر القيود الاجتماعية.
ـ هل من أمثلة توضح ذلك؟
* ‘ لنأخذ على سبيل المثال موضوع الاقتراب بين الرجل والمرأة، هذا يحدث في الحياة بشكل دافئ وبشكل جميل وحميم، وبشكل مقبول، ولكن نحن لا نريد أن نقبله على الشاشة، لا يمكن أن أضع على الشاشة قصة حب قوية جدا ومدمرة، لن تكون مؤثرة للجمهور ولن يصدقها الجمهور. ولكن الآخر لا يعرف أننا نحن محاصرون بسبب الرقابة الاجتماعية قبل أن تكون بسبب الرقابة الرسمية. نحن نتمنى من الرقابة الرسمية أن تأخذ دورها التنويري في المجتمع، والمؤسسة الرسمية تأخذ دورها التنويري في المجتمع، أنا أقول التنويري حتى يفهم كلامي بشكل دقيق، ولا يفهم على أساس أني أهاجم، أنا أريد أن تأخذ دورها في دعم الأفكار المتقدمة، وأفكار التنمية الحقيقية’.
ـ من تجربتك السينمائية التي أكدت نجاحها وطبعت بصمتها بوضوح في المشهد الفني الإماراتي والخليجي بشكل عام، كيف تنظر نجوم لدور الفن في الحياة، وأهمية التفاعل بين الإنسان والمكان؟
* ‘ أنا تحدثت وأتحدث دائما بشفافية، نحن عندما نتناول الموضوع، حتى لو كان هو موضوعا حساسا، المهم أن يكون نوع من الشفافية المتحققة في هذا التناول، وهي المحبة في الحقيقة. وأنا لا أؤمن أن الفن يغير السياسة، أو يغير القرارات، أنا أعتقد أن الفن يقربنا من الحياة الحقيقية ويجعلنا نفهمها بشكل أكبر. وليكون العمل نوعا من الفن الصادق، أنا أريد من الفيلم أن يخرج مع المشاهد ويرافقه بالإحساس. أنا متأكدة أن كثيرين من الناس في مدننا لديهم ارتباط كبير في الأمكنة، فهذا الارتباط من الإنسان الذي يذهب لمشاهدة مسرحية أو معرض، أو سماع معزوفات فنية، هو يبني علاقة مع المكان، وتتحول هذه العلاقة لذاكرته الشخصية، هذا الإحساس أنا عشته كما أن آخرين كثيرين عاشوه، والشخصية الرئيسية في فيلم ‘أمل’ تعيشه وهي عبرت عنه، فأنا من منطلق الشفافية يجب أن ألقي الضوء على هذا الجانب وأجعله متحققا في التناول الفني، أجعله موجودا لأن فيه أغراضا فنية. هذه العلاقة، أنا أريد دفأها، أردت أن تظهر هذه الوحدة الكثيفة التي تعيشها الشخصية الرئيسية للفيلم، وهي تذهب إلى المكان التي اعتادت أن تسمع فيه الموسيقى وتشعر نفسها هناك فجوة كبيرة، هناك هوة في داخلها، ليست فقط بسبب المكان لكن أيضا بسبب اغترابها وسبب وحدتها، وهي في جو عالم وحيد’.
ـ في فيلم ‘أمل’، استطاعت المخرجة أن تربط بين الفقرات وتتعرف على السر الخفي عند البطلة في غربتها وإحساسها بالمعاناة التي تمر فيها بلدها، إضافة إلى الحصول على أرشيف الصور منها قديمة وحديثة؟
* ‘الفيلم الوثائقي يقوم على البحث مثلما يقوم على الواقع، يقوم على الزمن الحاضر وأيضا على الذاكرة الشخصية للإنسان، ذاكرة المكان أيضا وكنت حريصة على أن ينعكس هذا الأمر في فيلم ‘أمل’، وأمل البطلة أيضا هي فنانة متعددة المواهب، ومتعددة التورط في أشكال فنية مختلفة، المسرح والتلفزيون وقليل من السينما، والتشكيل والكتابة وعندها إشكالاتها الأخرى، وفوق كل ذلك عندها إشكالات الفنان الذي تعرض للظلم، وتعرض للجرح بسبب اختيارها الفني، وهذا كان يجب أن يدخل في سياق الفيلم، وأن يتم توضيحه، الآن الطريقة التي عادة أعمل عليها هي الشكل الشخصي للتناول في الأفلام، ويمكن أنت ترين أن اللغة التي استخدمها في الأفلام دائما هي للغة شخصية، والاقتراب دائما يكون شخصي، لا يوجد معلق في أفلامي، الشخصيات تحكي تسرد عالمها، وتسرد حيواتها، وتسرد تفاصيها وحدتها، وتسرد تساؤلاتها، تقول هذه الأشياء، وأمل بخلفيتها الثقافية الفنية الغنية استطاعت أن تترك تأثير قوي جدا خلال الفيلم، حاولت أن أتابع بعض الخيوط، الخيط المهني، الخيط الحياتي، الخيط الروائي داخل الفيلم، الجانب المهني، الجانب الشخصي جدا، والجانب الاجتماعي، وربطهم وتحريكهم مع بعض، أتمنى أن أكون نجحت في هذه اللغة وفي إدارة المحتوى بمستويات متعددة داخل الفيلم، ولكن هذا كان جزء من كلية الفنون وشكل التناول والأسلوب الفني للفيلم’.
ـ نعود إلى العلاقة بين الشاعر والشاعرة وبناء الأسرة المتفاهمة، هل ترين أن الاختيار الصحيح في العلاقة هو سبب النجاح؟
* المهم جدا أن تكون هناك علاقة حب قبل الزواج، وأنا أومن كثيرا بضرورة أن تعرف الأزواج على بعضهم بشكل مبكر وأن يكون قرارهم بالزواج تتويجا لعلاقة حب ناجحة، وأومن كثيرا بالمثل الذي يقول: (لا تتزوج الشخص الذي تستطيع أن تعيش معه، ولكن تزوج الشخص الذي لا تستطيع أن تعيش بدونه). ولو فكر كل إنسان، رجلا كان أو امرأة، بهذا المثل قبل أن يقرر أن يختار شريك حياته، لو فكر من هو الشخص الذي لا يستطيع أن يعيش بدونه وتزوج هذا الشخص لاستطعنا أن نحل الكثير من المشكلات التي تحدث بسبب الزمن وبسبب الأمكنة وبسبب كثير من العوامل التي تدخل الحياة، شئنا أو أبينا. هذه العلاقة القوية وهذا القرار القوي هو الذي سيكون صمام الأمان للعلاقة فيما بعد.
ـ صمام الأمان هذا، هل هو من العوامل الإيجابية المؤثرة في بناء الأسرة والأولاد، كيف ترى الشاعرة نجوم والشاعر خالد بدور ذلك وهما يحيطان هذه الأسرة بكل ما تحتاج من رعاية واهتمام؟
* لكي ينجح الزواج أعتقد أنه من الضروري أن يكون هناك مساحة حرية متاحة للزوج ومتاحة للزوجة، وخاصة إن كانوا فنانين ولهم علاقة بالأدب والثقافة، ولا بد أن يكون للزوج أو الزوجة مكانها الإبداعي، وهذه المساحة من الحرية ليست ضرورية للزوجين فقط، لكنها ضرورة للأطفال أيضا. منح الأطفال هذه المساحة من الحرية لاختياراتهم وأيضا للحوار والتعبير عن الذات هي من الأهمية بمكان لأنها تضمن علاقة دائمة وعلاقة ناجحة بين الأب والأم والأطفال. مهم جدا أن يكون هناك حوار، ومهم جدا تربية الأطفال على القراءة، أعتقد أن القراءة هي العمود الفقري الصحيح للثقافة الصحيحة ولبناء شخصية فرد متميز في المستقبل. إذا استطاع الإنسان أن يكون مثقفا بشكل كبير ويكون لديه فكره الخاص ومبادئه ومواهبه فهو بالتأكيد إنسان متحضر ويستطيع التحاور، أولا مع أخوته وأخواته، وثانيا مع والديه، وثالثا مع المجتمع والبيئة المحيطة به. ما استطعنا أن نقوم به مع أطفالنا على الصعيد الشخصي أننا اليوم نتحاور بشكل حر، والعلاقة التي تجمعنا هي علاقة صداقة أكثر مما هي علاقة أبوة وأمومة وبنوة، نحن نفتقد بعضنا البعض بشكل كبير في حياتنا اليومية. أنا لي بنتان من بناتي تدرسان في أميركا ونحن نفتقدهما عندما نشارك في كل شيء جميل، عندما نذهب إلى متحف أو معرض جميل نفتقدهما، عندما نذهب إلى مسرحية، إلى فيلم سينمائي لأننا اعتدنا أن نتحدث بشكل جميل ويكون الحوار قائما بيننا، ونخطط دائما أن يكون صيفنا مع بعض ويكون مليئا بالأنشطة التي نستطيع أن نقوم بها سويا. هذا النوع من العلاقة هو صمام الأمان وهو الذي يؤمن استمرار العلاقة بشكل صحيح بين الآباء والأبناء، وهي علاقة ضرورية.
ـ ماذا عن المكان والزمان في أعمالك؟ هل حدث أي تأثير للمكان أو الزمان أدى إلى تغيير مجرى عملك؟
* أعتقد أن الأهم من المكان والزمان هم البشر. البشر هم المديرون المباشرون والحقيقيون للزمان والمكان الذي توجدين فيه أو الذي تركته، هم المؤثرون. وهناك مثل يقول: أينما يوجد بشر توجد مشكلات، وعندما تبحث عن مشكلة ستجد أن إنسانا ما كان خلف تلك المشكلة. هذا الكلام حقيقي جدا وفيه الكثير من الصدق. نحن نغير حيوات بعضنا البعض، ونؤثر في هذه الحيوات، نغير الأزمنة في علاقتنا بعضنا ببعض ونتسبب في الذهاب إلى أمكنة معينة أو الخروج من أمكنة معينة بسبب علاقاتنا مع بعضنا البعض. لو نظرت ستجدين أن الكثيرين يتركون العمل بسبب بشر فيغيرون الأمكنة، والكثيرين يرحلون من بلدانهم بسبب بشر ويذهبون إلى أراض جديدة، والكثير من البشر يقررون ألا يقوموا بأي نشاط في هذه المرحلة أو تلك بسبب تأثير شخص أو مجموعة عليهم. البشر أكثر تأثيرا علينا من الزمان والمكان وهم المحركون للأزمنة.
ـ الزمن يوصلنا إلى ما يجري اليوم في عدد من بلداننا العربية تحت أكثر من تسمية: حراك، ربيع، فوضى، انتفاضة، ثورة، أنت من خلال تجربتك الفنية كيف ترين مستقبل ما يجري وتأثيراته في المنطقة؟
* ‘أعتقد أن العالم العربي عاش قرونا طويلة فيه الكثير من الصراعات، ويمكن الخمسين سنة الماضية شهدت سياسات زائدة في المنطقة العربية أدت إلى الركود والجمود وأدت أيضا إلى فساد كبير في بعض المجتمعات العربية، فالتغيير بهذه المجتمعات هو إذن أساسي وضروري، ولكن الآن صار فيه الكثير من الجراح التي فتحت، والجراح التي أثيرت، وهذا مؤلم بحد ذاته ومحزن كثيرا. نتمنى أن يحدث التغيير، وسيحدث لا شك، ولكن نتمنى ألا يحدث فوق جثث الكثير من الأبرياء.
ـ لا بد أن نتطرق لدور الإعلام بما يجري، كيف ترى نجوم هذا الإعلام العربي: مشاركا أو محركا أو مؤججا؟
* ‘أعتقد أن الإعلام هو المحرك دائما أكثر مما هو مشارك، هو المحرك للثورات والمحرك للأيديولوجيات والدعايات السياسية (البروبوجاندا)، وتحركه السياسة وهو يحرك المجتمعات. الإعلام كان خطرا وسيبقى خطرا.

– عن القدس العربي ( حوار فاطمة عطفة )