شرف المجتمع الإماراتي قبل يومين بخطاب صاحب السمو رئيس الدولة، في افتتاح دورة الانعقاد الثاني للمجلس الوطني، الذي ألقاه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي حمل الكثير من المعاني والدلالات، ومن أجلِّها ما تناقله الناس في تغريداتهم على «تويتر»، ونشرته وسائل الإعلام المختلفة من الالتزام بصون الحقوق والحريات، وأنها أهم ركائز السلطة السياسية.

لا جرم أن هذا القول يترجمه الواقع، ويلمسه القاصي والداني، المواطن والوافد، ذلك أن الحريات التي تتطلع إليها النفوس البشرية، تعني:ألا المُتنفَّس الأهم في حياة المرء ليعبد ويتكلم ويدخل ويخرج ويصل ويقطع، وهو آمن على نفسه وماله وعرضه.

وهذه كلها هي إحدى مميزات هذا البلد الراقي الحضاري الآمن، الذي يؤمُّه الناس؛ لينالوا ما فقدوه في غيره وينعموا بخيره. فإذا جاء الخطاب الرسمي ليؤكد أن هذا نهج لزاميٌ في سياسة الدولة، كما وضعه المؤسسون، رحمهم الله تعالى، فذلك يعني أن الخَلَف هم على نور السلف وهديهم.

نعم إن الدولة قد تضرب بيد من حديد على من يعبث بأمن البلد والمواطن، أخذاً بمبدأ الحكمة الأصيلة:
فقسى ليزدجروا ومن يك حازم فليقسُ أحياناً على من يرحم
وذلك عند غياب مفهوم الحرية الصحيح، فإنها لا تعني التعدي على الحقوق، ولا التقصير في الواجبات، ولامجاوزة القانون، بل كل ذلك له ضوابطه التنظيمية والأخلاقية التي لا تخفى.

فالحرية المنشودة التي دعا إليها الإسلام وشرعها القرآن؛ تعني احترام الآخر ذاتاً ومجتمعاً ومعتقداً وسلوكاً. وقد أراد صاحب السمو رئيس الدولة ونائبه أن يبعثا رسالة واضحة لمن يفهم غير الحقائق، أو يقلب الوقائع بأن المزايدة، على هذا المبدأ الإسلامي الأصيل، والإنساني الكامل، والعربي المعروف، فهو نهج الإمارات مؤسسين ومتابعين؛ هي مزايدة لا تفيد.

وليس هذا غريباً على حاكم نهل من معارف الإسلام الذي يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} والتعارف لا يكون إلا من واقع الاعتراف بالآخر، وتبادل المصالح معه، بل يتعدى ذلك لأن يجعل أهل دعوته أحراراً إن لم يختاروا الإسلام ولم يناوئوا أهله، فإن هم أرادوا الخير لأنفسهم فهم إخواننا في الدين، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وإن أبوا فلهم دينهم الذي ارتضوه، مع احترامنا كما احترمنا إرادتهم، فهل هناك حرية أعظم من هذه؟ وهل هناك حرية أكثر من أن يجاور نبي الإسلام اليهود والمنافقين، بل والمشركين، ويقيم معهم معاهدة مواطنة لو أنهم احترموها لكان خيراً لهم؟
هذه الحرية التي دعا إليها ديننا واتبعها آباؤنا حكاماً ومحكومين، فأين دعاة الحرية منها اليوم الذين لا يجدون منها إلا الاستفزاز والأذى!