خليل قنديل

حينما تودع صحيفة عريقة مثل «نيوزويك» آخر طبعة ورقية لها، لتنتقل إلى موقع إلكتروني، مثلما فعلت قبل أسبوع، إثر الخسائر المادية الكبيرة التي باتت تتكبدها مثل هذه الصحيفة وصحف عالمية أخرى، بسبب حجم الكلفة الطباعية والتوزيع؛ فإن هذا يعني ببساطة أن القارئ الكلاسيكي العادي، الذي كان يتأبط الصحف في القطارات والحافلات قد بدأ يشعر بأنه يخالف مضارعه الذي يعيش، وأنه بات بإمكانه التخلص من هذا الثقل، والاكتفاء بجهاز «لاب توب» يضعه فوق ركبتيه، ثم يتابع صحف العالم أجمع.

وفي تفاصيل القراءة اللوجستية لاختفاء العديد من الصحف العالمية العريقة، من بيتها الورقي المُحبّر، والاكتفاء بالموقع الإلكتروني، فهذا يعني اختفاء المبنى الحجري الكبير التي كانت تقيم فيه الصحيفة، واختفاء المدخل الأنيق لمبناها والأثاث والمكاتب الفخمة واكتظاظ الموظفين والحمولة المهنية الزائدة من مطابع وعمال مطابع وفنيين وكبار الإداريين، واختصار كل هذا في موقع إلكتروني، قد لا يحتاج إلا إلى شقة بسيطة في أي مكان من هذا العالم.

وفي التغلغل في أعماق الوضعية اللوجستية لوضع كهذا، نلحظ أن العالم بمجمله يتجه إلى عملية اختزالية في جميع مناحي التكنولوجيا، فالراديو الذي بدا في سنوات اختراعه الأولى كبيراً، ليصبح جزءاً من أثاث البيت، تحول إلى جهاز بحجم كف اليد، وجهاز الهاتف الأرضي الذي كان يتطلب إقامة أعمدة وأسلاك وجهاز بسماعات ذات لون عظمي أسود، تحول إلى جهاز جوال تحمله معك في جيبك أينما ذهبت، فهو مفتوح على أصقاع العالم كافة، حتى الطائرة الحربية التي كانت تحتاج إلى طيار، صارت تطير من دونه، وتقصف أهدفاً بعينها، وحسب ما هو مخطط له.

إن حضارة الاختزال هذه وهي تمضي متسارعة بطريقة خارقة للمألوف، استطاعت في نمطها الاختزالي هذا أن تجبَّ حضارتنا الورقية بمجملها، وتجعل أكثر صحف العالم عراقة تعتذر عن حضورها الورقي السميك، لتقيم في جحرها الإلكتروني الحاضن، وتصل إلى القراء أينما كانوا!

وبالطبع فإن مثل هذا التحول سيزلزل أهمية الصورة الإعلانية، ويفقدها بريقها الورقي المصقول، كما أنه سيجعل مهندسي الإخراج الصحافي يعيدون النظر في أسلوب استدراجهم للقارئ وإغوائه!

عربياً قامت الصحف بإصدار صحفها الإلكترونية ومواقعها الاخبارية بحركة استباقية، لكن المُدهش أن العربي باعتباره حارس مرمى للحضارة الغربية لم يتوقف كثيراً عند هذه النقلة، وما يمكن الجزم به هو أن صورة الموظف الذي كان يضع الجريدة تحت إبطه وهو عائد إلى بيته قد اختفت تماماً.

-الامارات اليوم