عائشة سلطان
سيأتي اليوم – وهذا اليوم ليس ببعيد – الذي يعترف فيه جيل الآباء والأجداد بأن لجيل الصغار حقاً كما كان لهم الحق في أن يعيشوا زمانهم كما يريدون، دون أفكار مسبقة أو أحكام ظالمة أو تعميمات لا أساس لها من الواقعية، لقد عشنا كجيل ظرفاً حياتياً مختلفاً بكل المقاييس قد نراه نحن جميلاً وعظيماً ورائعاً ولكن تلك رؤيتنا وتلك حصيلة تجربتنا مع ذلك الظرف، لكن هل يحق لشخص أن يفرض على آخر مهما كانت درجة العلاقة والقرب بينهما رؤية محددة للأشياء؟ هل يحق لذلك الرسام العظيم مثلاً أن يفرض على إخوته وأصدقائه بأن يروا لوحاته عظيمة كما يراها هو؟ كذلك لا يحق لجيل أن يسجن جيلاً آخر في علبة ضيقة ليرى العالم من خلالها، لا يمكن لأي منا القبول بالعيش في ثياب أجدادنا فقط لأنهم يريدون ذلك، فالحياة لا تعيش في مساكن الأمس!
العلاقة بين الأجيال لها منظومة سلوك وقانون حياة قائم على مجموعة من القيم والمبادئ، وعلى كل الأجيال احترامها، لا يصح أن يطلب من جيل الالتزام الكامل بالمبادئ والقوانين وعدم الإخلال بها بينما يستثنى جيل آخر فقط لأن أولئك صغار عليهم السمع والطاعة وهؤلاء كبار دائما ما يكونون على صواب، فحتى الكبار يخطئون، ويتجاوزون ولهم شطحاتهم وخطاياهم، والصغار يمكنهم أن يدهشونا بمواقفهم وبنضجهم في التعامل مع الظروف أحياناً؟، ولذلك علينا أن نتخلص من النظرة الفوقية لأبنائنا وشبابنا وعن هذه الاتهامات التي نسوقها في وجوههم بسبب وبدون سبب، لمجرد أن شابا أخطأ أو ارتكب جريمة أو أتى بفعل فاضح، فليس كل الشباب يفعلون كذلك!
سألت أحد كبار العائلة ذات يوم عن مراهقات الشباب في أيامه كيف كانت؟ فأجابني وأضحكني: لم يكن لدينا شيء اسمه مراهقة في تلك الأيام؟ اعتقدت أن المراهقة بكل ما تثيره في الشباب من زلازل وجنون وشطحات واحدة من اختراعات العولمة، أو من آثار تبدلات المدينة ما بعد النفط والبترول؟ لكن بما أنني لا أعترف بنظرية دارون الذي يدعي فيها أن الإنسان كان قردا يمشي على أربع ثم تطور فيما عرف بقانون التطور والارتقاء، وصار يمشي على رجلين، لذا فأنا لا أظن أن جسد الإنسان تطور فيما بعد البترول وصار يراهق، لقد كان الشاب والفتاة يمران بسنوات المراهقة حتما ويرتكب الشاب الكثير من الغوايات، لكن ذلك لم يكن بالشكل والحجم الذي نراه اليوم، لأن البدائل لم تكن متوافرة والمال لم يكن متاحا والحياة لم تكن بهذا الانفتاح، كما أن الزواج المبكر كان يحمي الشباب من كوارث المراهقة، إضافة للمسؤوليات التي يتحملها الشاب منذ صغره بسبب الحالة المادية وسفر والده في رحلات الغوص وغير ذلك.
إذن فقد تكفل الظرف الاقتصادي والاجتماعي والديني للمجتمع قديماً بصياغة شخصية الإنسان بالشكل الذي نقرأ ونسمع عنه، أما اليوم فإن الظرف أشد قسوة وانفتاحاً وتحدياً ومع ذلك فان الشباب يقاومونه بأقل الوسائل قوة وينجحون في أحيان كثيرة، ويتفوقون على آبائهم فيذهبون إلى آخر الدنيا ويتعلمون ويتخصصون في علوم ودراسات لم تخطر ببال آبائهم وأمهاتهم يوماً، برغم أن هؤلاء متعلمون أيضا، إذن فلماذا إذَا ثارت قضية المقارنات بين الأجيال قيل لهم أنتم جيل البترول (كأن البترول خطيئة) وجيل الراحة وجيل البرجر وجيل الإنترنت والدلال والرفاهية لا تنفعون لشيء ولا تصلحون ولا ولا؟؟ فما هو المطلوب منهم بالضبط؟ أن يركبوا السفن ويذهبوا في رحلات غوص لمدة ستة أشهر لإثبات رجولتهم؟ فقد مضى ذلك الزمن ونحن في زمن مختلف!
(بمناسبة ذلك الذي وبخ ابنه كثيراً وطويلاً لأنه لم يقبل في كلية الشرطة فذهب يدرس الفنون الجميلة في إيطاليا)!
– الاتحاد