محمود علام
خلال أربعة أعوام وللمرة الثالثة وفي ذات المكان ، يتجدد اللقاء مع وحيدة الوتر ورفيقة السهر في كل بوادي وأحياء العرب ، الشهيرة باسم “الربابة” ، وهي الآلة الموسيقية الرقيقة ، لحنا وحالا ، لكنها لا تزال صامدة بفضل أحبائها الذين أطربتهم في الزمن الجميل فامتلكوا لها الوفاء وأبقوها تحت الأضواء.
ومع حضور الربابة في قلب الفجيرة طوال ثلاثة أيام لملتقى يحمل اسمها فإن الذاكرة الجمعية تستعيد على الفور موقع هذه الآلة العتيقة في الحياة الشعبية القديمة عندما كانت هي – وحدها – رفيقة لجلسات السمر وصديقة لأهل الشعر في ليال بعيدة من زمان مضى لم تكن فيه الفضائيات قد احتلت مواقعها في سهرات البشر.
ويبدو واضحا للعيان أن رحلة الربابة ،وهي آلة معمرة بحكم الزمن، قد حققت في سنوات أربع عاشتها في قلب الفجيرة ، ما لم يحققه معمر من معمري البشر بعد أن فتحت لها هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام ساحات القلعة العتيقة والعريقة كي تعزف فيها الألحان وسط أجيال تحيا في عصر جديد مختلف.
فماذا حققت “الربابة” عبر ملتقيات ثلاثة احتضنتها الفجيرة وهي الإمارة التي شغفت بالتراث واهتمت بالحفاظ عليه من مخاطر الاندثار؟
من المشاركات الجديدة ، وللمرة الأولى ، وفي أمسية الافتتاح لثالث دورات الملتقى تقدم فرقة “تخت الإمارات” عرضا موسيقيا عنوانه “رحلة ربابة” وهو العنوان الذي ألهمنا التفكير في كتابة هذا المقال.
ومن المهم هنا أن نتوقف عند فرقة ” تخت الإمارات “التي يقودها الفنان الإماراتي علي الحفيتي لكونها الفرقة التي أضافت الربابة إلى مجموعة آلاتها الموسيقية لتصبح ربابة الماضي البعيد رفيقا لآلات العصر كالكونترباص والقانون لتكون هذه الإضافة إحياء لأقدم ألة موسيقية ابتكرها العرب منذ عصور وهو ما يعني الكثير في نجاح الملتقى في التأثير في شباب الجيل من الموسيقيين.
ونواصل استعراض ما حققته الربابة أو ما أنجزته دورات ملتقى الفجيرة للربابة فنتابع معا برنامج الفعاليات لنكتشف أن هذه الدورة قد استقطبت دولة مثل أذربيجان لتتحدث مديرة متحفها الموسيقي عن إحياء آلة الربابة في بلادها وهو ما يحمل مؤشرا لأهمية هذا الملتقى في إحياء التراث المشترك فنيا وثقافيا في المحيطين : العربي والأجنبي.
ونمضي مع رحلة الربابة في قلب الفجيرة فنعود للدورة الأولى من الملتقى وهي الدورة التي نفضت فيها الربابة غبار زمن النسيان وكسل التجاهل والإهمال بعد أن غابت عنها أجيال سرقها العصر ومستحدثاته .
في العام الأول فاجأتنا الربابة بعودتها إلى واجهة المشهد، بل وبالصوت والصورة ،كما يقولون ، فقد توهجت “آلة الحزن المعتق” أمام جمهور الملتقى ، في فيلم درامي رائع جرت وقائعه في بادية العرب التي شهدت ميلاد ،أو بالأدق ، ابتكار هذه الآلة وحيدة الوتر التي انطقت العود أو غصن الشجرة اليابس.
ولا يمكن أن نغفل ذلك الأثر الطيب لهذا الفيلم الرائع للمخرج الفنان إياد الخزوز عن قصة الربابة التي كتبها الشاعر سامي الباسلي فقد أسهما ومعهما مجموعة الممثلين ، وبحبكة درامية متميزة ، في إلقاء الضوء على تاريخ موغل في القدم ربما لم يكن معروفا لدى الكثيرين من أجيال العرب.
ويبقى في جعبة التاريخ ذلك الحدث الثقافي والفني الذي واكب الملتقى الأول عام 2009عندما حمل الشاعر الكويتي الشهير مهلي حشاش الظفيري لواء العزف على الربابة ليلقي على أنغامها، ولأول مرة أيضا ، قصائد الشعر الفصيح في إتقان بالغ وهو المعروف بابتكاره الكثيرمن الألحان التي لم تكن معروفة من قبل في الشعر النبطي خصوصاً في بحر المسحوب الذي أبدع فيه وطور ألحانه .
ومن المؤكد أننا سنجد الكثير لنحكي عنه عقب انتهاء الدورة الثالثة للملتقى الذي احتضن الربابة في قلب الفجيرة فجعل من رحلتها موضع اهتمام في أقطار العرب وبلاد الأجانب.