د خالد الخاجة
لا أدعى أني متابع جيد لما يعرض على الفضائيات خلال شهر رمضان الكريم من أعمال درامية وبرامج، اللهم إلا بعض المتفرقات من هنا وهناك حسبما تسنح الفرصة، غير أن هناك برنامجاً توقفت عنده كثيراً وحرصت على متابعته يومياً لما قرأت فيه من جهد مبذول وإنتاج كبير، وهو برنامج «خواطر» للإعلامي المتميز أحمد الشقيري في نسخته التاسعة، والذي يعرض على قناة الشارقة وغيرها من الفضائيات. وهناك مجموعة محددات حول هذا البرنامج، الذي يعد علامة متميزة ونقطة مضيئة وسط هذا الزحام الشديد من البرامج والدراما الرمضانية.
أولاً: أن يستمر برنامج لمدة تسع سنوات يعرض على العديد من القنوات الفضائية، دليل على نجاح عناصره، بداية من الفكرة وطريقة معالجتها، التي يبذل فيها جهد فوق الطاقة، فضلاً عن أسلوب التقديم الذي يتميز به أحمد الشقيري، الذي استطاع، ببساطته وامتلاكه لأدوات اللغة، سواء العربية أو الإنجليزية، وحلاوة منطقة، أن يصل بسهولة إلى المشاهدين.
ثانياً: إن وظائف وسائل الإعلام تختلف باختلاف ظروف كل مجتمع، ومن هنا فإن من أهم وظائف الإعلام في عالمنا العربي، هي المساهمة في عملية التنمية والقضاء على المعوقات التي تعترضها من فكر وسلوك، لذا فقد أحسن القائمون على البرنامج في دورته التاسعة صنعاً حين جعلوا عنوانه الدائم، الذي تدور حوله جميع حلقاته، «أفلا يتفكرون»؛ فهي دعوة لإعمال العقل عبر التفكر والتدبر في أنفسنا وفي ما حولنا، والفكر هو أساس نجاح كل الخطوات التي تليه، والحكماء دائماً يقولون «فكر خمس ساعات واعمل ساعة»، فساعة العمل التي تبنى على الفكر والتخطيط السليم، أفضل من أضعافها بعشوائية ودون تدبر، والتفكر هو الرياضة العقلية التي نحتاج دائماً إليها لنعرف من نحن وماذا نريد.
ثالثاً: إن قيمة الحضارة الإنسانية تأتي من اختلاف نمط الحياة وطريقة التعامل مع عقباتها، وهو ما يضيف رصيداً نوعياً للبشر عبر تلاقح الأفكار.
وما يقدمه البرنامج من عرض لخبرات مجتمعات من مختلف أنحاء العالم، هو ما يصيب المشاهد بما يسمى إعلامياً بالتقمص الوجداني، وهو أن يتطلع الفرد إلى أن يسلك سلوكاً قريباً من السلوكيات التي شاهدها عبر البرامج، وجانب كبير من القفزات الحضارية التي تحدث في المجتمعات المختلفة، يأتي من مشاهدة غيرها من المجتمعات الأخرى، وهو ما يتبعه برنامج خواطر.
رابعاً: لقد كنت من الذين انتقدوا البرنامج في دوراته الأولى حين كان يقدم أفضل ما عند الغير وأسوأ ما عند المجتمعات العربية، وهو ما اعتبرته نظرة انتقائية غير عادلة لا نجني من ورائها غير الإحباط وتجاهل واقع هو غير ذلك، وهو النهج الذي اتبعه البرنامج في الدورات اللاحقة، حين يلقي الضوء على الجوانب المضيئة عند الغير حتى نراها، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها.. وفي نفس الوقت يلقي الضوء على التجارب الناجحة في العالم العربي، وهو ما يبث الثقة في أنفسنا وقدرتنا على النجاح، فهو عندما يقارن بين أفضل مطارات العالم كان مطار دبي هو المقابل له، وحين يقدم أجمل الحدائق في تركيا تأتي حديقة زعبيل في الناحية الأخرى، وحين يقارن بين رقي نظام المحاكم في سويسرا تكون محاكم دبي هي المعادل والسابقة لغيرها.
خامساً: الرسالة الإعلامية كلما كانت واقعية وقريبة، كانت أكثر تأثيراً، لذلك فإن هذه النوعية من البرامج التي تقدم صورة حية لتجارب يمكن الاستفادة منها، تغني عن العديد من المؤتمرات التي تتحدث عن القيم التنموية ونظرياتها ومراحلها ثم تنفض، وأهمية تقديم النماذج المطبقة يأتي باعتبار أن سلوك الرجل في ألف رجل خير من كلام ألف رجل في رجل، فالصورة تغني عن ألف كلمة.
سادساً: إن قيمة أية مادة إعلامية تأتي من التفاف المشاهدين حولها، والجمهور دائم المتابعة لما يستشعر أنه يتعامل مع قضاياه الحقيقية التي قد تنكأ الجروح أحياناً، لكنها في الأخير تكتسب احترامه، خاصة وأن برنامج «خواطر» يتعدى حدوده كبرنامج يعرض تجارب شعوب خطت مراحل كبيرة على سلم الحضارة، بل هو دعوة للتعايش الإنساني عبر إلقاء الضوء على الآخر الذي قد لا يعرفه الكثيرون، وهو ما يكسر حواجز وهمية.
سابعاً: رغم أن برنامج خواطر يعد من البرامج الثقافية، إلا أن ما يقدمه من قيم هي القيم التي يدعو إليها الدين الإسلامي، لكنها لا تقدم هنا بشكل وعظ وإرشاد، وإنما بلغة عصرية وصورة جاذبة وإيقاع سريع وترابط متسلسل، وهو ما يتماشى مع طبيعة تفضيلات قطاع كبير من المشاهدين وخاصة الشباب، وهم من يتوجه إليهم البرنامج بالدرجة الأولى، وإلقاء الضوء على تجاربهم والدفع بهم ليمارسوا دوراً إيجابياً في مجتمعاتهم وخدمة وطنهم؛ لذلك يمكن عرض حلقات بعينها من البرنامج على طلبة المدارس في المراحل المختلفة.
ثامناً: في هذا المقام أود من القائمين على البرنامج، وهم يقدمون الوجه المشرق لمختلف المجتمعات، أن تقوم النسخة العاشرة من البرنامج – الذي أود ألا ينقطع – بإلقاء الضوء على العقول العربية المهاجرة، التي ساهمت وما زالت في صناعة هذه الصورة المضيئة في الغرب، ودورهم المتميز في هذه المجتمعات.
وإذا كانت ملكة إنجلترا منحت لقب «سير» لجوزيف بازلجت الذي صمم نظام الصرف الصحي في بريطانيا وجعلت من بيته مزاراً، وهو لقب لا يمنح إلا لمن ساهم في تغيير وجه بريطانيا، كما ورد في إحدى الحلقات، فيجب أن يعلم المشاهد العربي أن نفس اللقب منحته الملكة لجراح القلب العالمي العربي مجدي يعقوب عام 1991؛ والأمثلة أكثر من أن تحصى من العقول العربية في مختلف بلدان العالم والأدوار التي يقومون بها، وإلقاء الضوء على رحلة بواقع عالم عربي في كل حلقة، والأسباب التي دفعته للهجرة، وكيف يمكن أن يستفيد عالمنا العربي من مجهوداته، في الوقت ذاته يتم إلقاء الضوء على اختراعات الشباب الباحثين التي يمكن أن يستفاد منها، وسبل تسويقها، أو قيام جهات وهيئات، حكومية أو خاصة، بتبني أفكارهم وتحوليها إلى واقع.
إنني أشد على أيدي القائمين على برنامج خواطر، الذي أعده نموذجاً للبرامج التي يحتاج إليها المشاهد العربي.
– البيان