عائشة سلطان
في الثانوية قرأت للسياسي المصري “مصطفى كامل “ قوله (لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة)، كانت الحياة أسهل بكثير مما هي عليه اليوم، من وجهة نظر شخص لم ير من الحياة سوى البيت والمدرسة والعائلة والأصحاب الطيبين، كانت أكبر المصاعب محصورة في امتحانات الرياضيات، وأكبر الصدمات حين لا يمكن الحصول على بعض المطالب الخاصة لقلة إمكانيات الأهل، مع ذلك فقد كانت عبارة مصطفى كامل غالبا ما تلوح لنا في لحظات العتمة أو اليأس، حين تتدنى درجاتنا أو يخاصمنا صديق عزيز، لم يكن يخطر ببالنا أن مصاعب الحياة وتحدياتها أكبر بكثير من هذه الصبيانيات، وأن اليأس والأمل والحياة مفاهيم كبيرة جداً سنعرفها لاحقاً، وستتفتح أعيننا على مفاجآت لن تكون سارة دائماً!
حين دخلنا الحياة من بوابتها الوردية (الجامعة)، ومن بوابتها الثقيلة ذات الصرير العالي (العمل)، عرفنا ماهية الحياة واليأس وأكثر من ذلك بكثير، مع ذلك لم نفقد إيماننا بمقولة الرجل، ولم ننس أن تلك المقولة كانت النافذة الأولى، حتى وإن كنا قد تعاملنا- أو بعضنا على الأقل – مع المآزق والتحديات بكثير من عدم الوعي وانعدام الإصرار، ولا زلنا نفعل ذلك،حيث إن الكثير ممن نعرف يسقطون في اليأس سريعاً، وفي الإحباط بسهولة الوقوع في حوض السباحة، ثم بدل الإصرار على إنقاذ أنفسنا من الغرق حباً في الحياة لأنها جميلة ولأنها تستحق الدفاع والتمسك بها، نجد ونسمع ونعرف الكثير ممن يتركون أنفسهم لدوامات الغرق، فهناك من يدمن مضادات الاكتئاب، ومن لا ينام إلا بعلاجات النوم، ومن يتردد خفية أو وهو يضع نظارات سوداء على عينيه عندما يزور طبيبه النفسي!
قالت لي إحدى هؤلاء: الواقع يدفع للإحباط والاكتئاب، وإنها لا يمكنها النوم من دون أدوية النوم، لقد دفعتها ضغوط العمل للإصابة بضغط الدم، بينما قالت أخرى إنها لم تجد التقدير الذي تستحقه بفضل مؤهلاتها وشهاداتها فوقعت في الاكتئاب الشديد، بينما تفكر ثالثة جدياً في الهروب بحثاً عن أفق آخر في بلاد أوروبا، وكنت أبتسم وأنا أسمع ما تقول لأنني كنت بالكاد قد انتهيت من قراءة تقرير حول معدلات الرضا والسعادة في العالم، حيث تشير جغرافيا السعادة إلى أن دول أسكندنافيا وعلى رأسها السويد تأتي في مقدمة دول العالم من حيث ارتفاع درجة الرضا والسعادة بين مواطنيها قياساً بمستوى ونوعية الحياة والخدمات والإمكانات المتوافرة لهم، وفي الوقت نفسه فإن السويد هذه تسجل أعلى معدلات الانتحار بين هؤلاء الموطنين “السعداء”، فكيف يقتل نفسه من يعتبر الأسعد في العالم؟ ألا يبدو الأمر لافتاً وغريباً؟
الحياة ليست سهلة، كلنا نعلم ذلك، وكلنا نعاني من مصاعبها، لكنها بالقدر نفسه فهي جميلة وممتعة وتستحق أن نحلق لأجل الاستمتاع بها بعيداً عن أدوية الاكتئاب والضغوط واستدعاء النوم،لا تخلو الحياة من العراقيل والأحجار الضخمة التي تدحرجها الظروف لتسد الطرقات أمامنا، لكن ألا يستدعي الأمر التأمل حينما نعلم أن هناك من يواجه الحياة بنصف ما لدينا، بإعاقات وبفقر أحياناً، وبقلة إمكانيات وبانعدامها أحياناً، وفي الوقت الذي يستسلم بعضنا للكآبة لأنه قبل أن ينزوي ويعيش الحياة بطريقة الشكوى والتذمر والهروب واليأس، فهناك من قرر أن يواجه ويصرخ ويطير عالياً، فليست الحياة هي التي تضيق لكن قلوبنا وأخلاقنا هي التي تضيق عن فهم معنى أن تملك قرارك وترسم خط سيرك من دون أن تترك فرصة للآخرين ليفعلوا ذلك!
كيف استطاع عظماء التاريخ أن يكونوا كذلك برغم إعاقاتهم، وتشردهم وفقرهم؟ كيف صار بيتهوفن هذا الموسيقار العظيم وفان جوخ هذا الرسام العبقري، وسقراط ذاك الفيلسوف، وفيروز هذه العلامة المضيئة في سماء الغناء و….. آلاف النماذج رغم الحروب والتحديات والمحطات.
الحياة ليست سهلة لكنها جديرة بخوض أكبر المعارك للظفر بها
– الاتحاد