لسعد المنهالي
حتى العمل الوحيد الذي خمنا أن كاتبه رجل، فوجئنا – أنا وأعضاء لجنة التحكيم – وقت إعلان أسماء الفائزين بجائزة الإمارات للرواية العربية بأنه غير ما توقعنا!.
بعد قراءتنا لمخطوطات النصوص التي قدمت، وتحديدنا للأعمال الثلاثة، كان واضحاً من صيغ كتابة الأعمال المرشحة للمراكز الأولى أن النصوص لنسوة، كون الراوي في كل من رواية – «خلقنا من ضلع جبل»، و«عشب وسقف ومطر»، و«من أي شيء خلق؟»- ذاتياً وشاهداً لمسار الأحداث وفرداً مهماً في شخوصها بل و رئيسياً؛ ولهذا ارتفعت نسبة توقع أن يكون الكاتب امرأة، إذ يظل الحكي عن خلجات الأنثى امتيازا لها؛ أما ما حدث في العمل الرابع «كونا» – حصل على «جائزة اللجنة التشجيعية» – فقد توهنا مع أن الراوي الشاهد كان أيضاً امرأة، ورغم ذلك لم تجعلنا نوقن بأن كاتبه امرأة، وكان الميل أن الكاتب رجل هو الغالب بين أعضاء لجنة التحكيم. في رأيي أن هذا امتياز آخر يضاف لكاتبة العمل هند سيف البار، في قدرتها على عدم الانغماس الكامل في شخص جنسها وتوزيع اهتمامها على شخوص العمل الذين أنضجتهم عبر صفحات الرواية وكان أغلبهم ذكور.
لست من دعاة أن هناك أدباً نسوياً وآخر ذكوري، فالإنسانية هو العنوان الأوحد الذي أعترف به للأدب، غير أن اكتساح أربع سيدات منصة الفوز دفع بعضهم يقدم هذا الطرح، والبعض الآخر يشير إليه بلؤم، فيما انشغل بعضهم يتساءل جدياً عن سبب ذلك، وفي رأيي أن هذا هو الأهم! والحقيقة أن أمانة الجائزة لم تقدم لنا أو للجمهور بيانات عن الأعمال المشاركة، كجنس الكاتب وعمره وإمارته وغيرها من البيانات، فكل ما نحن متأكدون منه هو جنسيتهم الإماراتية. وإن كان هذا الأمر مصدر فخر لنا، ولكنه بالتأكيد يجب أن يكون مقدمة في قراءة واقع الإبداع الإماراتي عبر العينة التي تقدمت للجائزة – مع تأكيد أنها لا تمثل الواقع الكلي للروائيين الإماراتيين – ولكنها عينة ناضجة يمكن أن تؤدي قراءة تحليلها إلى التنبؤ بمستقبل العمل الروائي الإماراتي وقدرته على الإسهام في المنتج العربي، كون المتقدمين للأعمال هم شخوص تتوافر فيهم صفات، بالإضافة إلى الموهبة والعمل، هم أيضاً لديهم من الجرأة والإصرار ما يدفع بهم للاستمرار في المستقبل.
ها قد رفعت الأقلام.. وانتهى ما كنا قد بدأنا العمل فيه منذ أواخر سبتمبر من العام الماضي من قراءة النصوص «مخطوطات» المقدمة لجائزة الإمارات للرواية، ولكني لا أعتقد أن العمل الحقيقي والذي يهم المهتمين بمجال تشجيع الإبداع والقراءة والكتابة يجب أن يبدأ الآن، عبر مؤشرات تفيد في تحديد مساحات حركتهم الجغرافية، وإعادة قراءة الجدوى في الأدوات القديمة المستخدمة واستبدالها بما يتناسب وطبيعة المعنيين وأجناسهم والمرحلة الراهنة بكل تغيراتها؛ وفي رأيي وهذا الأهم استخدام الإمكانيات التي يوفرها الواقع الاقتصادي والتكنولوجي في اجتذاب جيل الشباب لمجال الإبداع والعمل الكتابي، وعدم النظر إليها باستخفاف واعتبارها أدوات تتلف الذائقة – كما يشير البعض – هذا ما يجب أن يبدأ به المهتمون حقاً في طريقهم إلى تشجيع الإبداع والقراءة والكتابة. أعتقد إن تم ذلك، فسنشهد تطورها، وبالتالي يمكننا التنبؤ بما ستحمله لنا من مكتسبات على كل الصعد.
الاتحاد