حارب الظاهري

نسيج مختلف أرادته الروائية التركية إليف شافاق في روايتها «قواعد العشق الأربعون»، وهي تلامس مختلف الرؤى الدينية والسياسية بعنوان هادئ أحادي هو الحب الذي يتأصل في مسار الرواية التي تكمن بداخلها رواية أخرى عن جلال الدين الرومي في مطلع القرن الثالث عشر، حيث تستمد منه العشق الصوفي في زمن مشابه لزمننا، لم تنسجم فيه الرؤى الدينية فغدا مفعماً بالصراعات، حيث كان يقاتل المسيحيون المسيحيين والمسلمون المسلمين، كما يقاتل المسيحيون المسلمين. فالرواية الغلاف لا تختلف عن الرواية المضمون، فالعشق هو مختبر الحياة الحقيقي أمام تباين رؤى الشعوب وإفرازات الرؤى الدينية المختلفة. العشق كالنهر الخفي كامن بالروح يحتاج إلى رغبة تسيره ليصبح منهجية تذيب الاختلافات وتشع منها أضواء الحياة.
البطلة إيلا التي تنحدر من عائلة يهودية لم تكن تؤمن بالعشق، فهو وقتي وربما يستبدل بالمودة، هذا ما أفصحت عنه لابنتها العاشقة والحالمة والمقبلة على الزواج. فالعشق عندها ليس أساس الحياة، وهي تكتفي بالمودة، إلا أن الصغيرة رفضت المطابقة ما بين حياتها وحياة أمها التي اكتشفت بعد قراءتها رواية «الكفر الحلو» بقلم البطل أ. ز. زاهارا، تبدأ التراسل معه عبر الإيميل لتجمع بينهما الرواية التي تتحدث عن الصوفي جلال الدين الرومي، ويجمع بينهما الحب فتغادر بيت الزوجية من الولايات المتحدة إلى أمستردام حيث يقطن البطل، بعد وابل من الرسائل الصوفية التي أمتعت إيلا وجعلتها إنسانة أخرى، فتطلب الطلاق من الزوج الذي أهملها سنوات طوال بمغامراته النسائية، ولم تصدمه بعشقها لعزيز كاتب رواية «الكفر الحلو» وهو من النسيج الأوروبي، وأسلم بعد تأثره بالصوفية، لكنه فاجأ إيلا بأنه يمر في وقت صعب ولا يملك لها مستقبلاً لأنه مصاب بالسرطان، وليس لديه سوى أشهر معدودات.
روايتان في رواية، متناغمتان، تدلان على صياغة صوفية قديمة، وأخرى حديثة، ينجلي من خلاهما التجلي والرفعة في حب الخالق، وهي صفة تتماسك من خلالها سائر الديانات، فالعشق مادة الحياة وماؤها الذي يجب أن يدرّس في المستوى التعليمي الأول، فمن خلال الحب وحده بالإمكان أن نبصر الحقيقة الأولى، أو الاتزان الفكري والفطري، من مكان وزمان وقيم روحية وذاتية متجددة.
إنها رواية وراءها ما وراءها من مجمل حياة التنوير الذي يحتاجه الإنسان، بل تنسحب على حياة آخرين من المعدومين والفقراء والعاشقين والمذنبين والمسحوقين.. التقاطات من الحياة تتبع قاعدة التغيير، وهي إحدى قواعد شمس التبريزي قائلاً: «مع كل نفس جديد على المرء أن يتجدد ويتجدد ثانية ولا توجد إلا وسيلة واحدة حتى يولد المرء في حياة جديدة، وهي أن يموت قبل الموت»، وقال أيضاً: «إن العالم قدر ضخم يطهى فيه شيء ضخم؟ لكن لا نعرف ما هو حتى الآن، فكل ما نفعله ،أو نلمسه، أو نفكر فيه هو مكونات ذلك الخليط».

الاتحاد