علياء العامري
تسعى قيادتنا الرشيدة دائماً للحفاظ على الهوية الوطنية، متمثلة في الموروث الشعبي الأصيل الذي يجعل الإنسان الإماراتي متفرداً في قيمه ومبادئه وعاداته وتقاليده وفنونه وزيه ومظهره، مما يحميه من الذوبان في طوفان الثقافات والعادات الوافدة عليه من كل حدب وصوب.
وكذلك تمهيد العقلية الشابة وتهذيبها وتمكين حب الوطن في نفوسهم، حتى لا ينجرفوا أمام سيل العولمة أو وراء مغريات الحياة الغربية التي ساقتها ثورة الاتصالات والانفتاح على كل ألوان الثقافات التي تبثها الفضائيات وتضخها الشبكات العنكبوتية في كل لحظة ومن كل اتجاه، والتي لا تسلم من كثير من الأمراض الاجتماعية وصنوف الانحرافات التي يصرخ منها الغرب ذاته.
ولكن حتى نصبح واقعيين ولا يأخذنا التنظير أو تجميل الواقع بعيداً عن الواقع ذاته، لا بد أن نقر بأن هناك العديد من المظاهر الواقعية والمؤثرات الثقافية التي صارت تلقي بظلالها الخطيرة على ثوابت الهوية الوطنية.
فهناك من أبناء الوطن من بدا مستجيبا لتلك المغريات الوافدة عليه، وألقى بنفسه في أتون أصحاب صيحات الحداثة والتطوير. ونحن بالطبع لسنا ضد أي تطوير يطال جوانب الحياة ويساعد المواطن الإماراتي على اللحاق بركب المدنية الحديثة في كافة مناحي الحياة، ولكن الشيء الذي نستهجنه هو أن يترك الإنسان الإماراتي نفسه كقشة في مهب الريح، لتلك الصيحات حتى يجد نفسه متحللاً خطوة وراء خطوة من ثوابت الهوية الوطنية التي هي عنوان ولائنا وانتمائنا لهذا الوطن.
والزي الإماراتي من بين أهم الأشياء التي ركز عليها أصحاب صيحات التغيير، فهو عنوان هوية المواطن الإماراتي، ومحدد جنسيته دون حاجة إلى كلمات.
يتسم بأنه إسلامي الطابع، عربي الأصل، خليجي التصميم؛ فهو ينبع من احترام الإماراتيين لإسلامهم، واعتزازهم بعروبتهم، وانتمائهم لمحيطهم الخليجي.
ومن أجل ذلك يسعى المغرضون إلى سلب الإنسان الإماراتي تلك الميزة والعبث بهذا الموروث، وحتى يأتي هذا طبيعياً وسهلاً، يعودون أبناءنا منذ نعومة أظفارهم على ارتداء زي لا يمت بصلة للزي الإماراتي الأصيل، كما يحدث في بعض المدارس. وقد يتهمنا البعض بالمبالغة والتشدد في هذا الأمر بدعوى أن هذا زي مدرسي فحسب، ولا يمثل خطراً على ثوابتنا، أو ما توارثناه واعتدنا عليه.
وأجيب: إن مرحلة التعليم هي مرحلة غرس المبادئ والقيم وأسأل: لماذا تحرص دول خليجية أخرى على ثوابتها فتلزم طلاب المدارس جميعاً، مواطنين وأجانب، بارتداء الزي الوطني.. ونحن نتخلى عنه بزي لا يمثل هويتنا البتة!
والمضحك المبكي أن الكندورة والغترة أصبحت زي السائقين، بعد أن تنازل الإماراتيون عن زيهم الوطني. ليس ذلك فحسب، بل حاول بعض العابثين النيل من الزي الإماراتي كذلك في دعايتهم الرياضية، ومحاولة الرسم عليه وتلوينه بألوان تتماشى مع اتجاهاتهم ومصالحهم، وكذلك الانصياع خلف رغبات الخياطين الآسيويين وأصحاب بيوت الموضة، الذين يجهلون – على حد قول الدكتورة أسماء العويس – تقاليدنا وعاداتنا وموروثاتنا، في إدخال الكثير من التغيير على العباءة بأشكال وألوان منها ما هو مطرز بالأحمر والأزرق لدرجة »يزيغ« معها البصر، وخرجت شفافة تشف ما تحتها، ومن كثرة ما تكون مزينة بقطع زينة مكملة مثل الأصداف أو الأزرار أو القطع المعدنية، تمر المرأة وكأنها تعرض في دور الأزياء، في حين أن الهدف الرئيسي من العباءة هو الستر والاحتشام، وليس للفت الأنظار وإبهار الآخرين.
وإذا جئنا للمدارس الخاصة وتأثيرها فحدث ولا حرج، فالساحة التعليمية تشهد باستمرار هجرة عكسية من المدارس الحكومية إلى المدارس الأجنبية الخاصة التي تتكاثر بصورة مطّردة، وتلقى إقبالاً كبيراً من الإماراتيين، وهي من جانبها تكرّس لثقافات وقيم مختلفة، وبكل تأكيد لا تعنيها مسألة الهوية الإماراتية، بل إن تأثيرها السلبي على الهوية واضح بصورة جلية في نواح كثيرة، أهمها تأثيرها السلبي على تعلم أبنائنا للغة العربية، التي هي لغة الدين والوطن ووعاء التراث ولسان الهوية والانتماء الوطني، حتى تراجع الاهتمام بها، وأصبح الكثيرون ينظرون إليها على أنها عبء عليهم وليست لها قيمة في حياتهم، وصاروا يقدمون عليها اللغة الإنجليزية، بل يتقنون اللغات الأخرى أكثر مما يتقنونها، إلى جانب ما تبثه هذه المدارس في أبنائنا من قيم وعادات تساعد على اندثار العادات والتقاليد والقيم المجتمعية الوطنية وغيرها، وهي تنازلات قد تؤثر سلباً على المدى البعيد في الهوية الوطنية للدولة، وما تتميّز به من خصوصية ثقافية ومجتمعية وحضارية.
فهل يترك أبناؤنا فريسة لخطر تلك المدارس وتأثيرها، إلى جانب ترك أمر تنشئتهم وتربيتهم للخادمات الآسيويات وتركهم غير مؤهلين في خضم سيطرة الأغلبية السكانية الأجنبية، فماذا نتوقع من الجيل القادم الذي لا هوية له؟ ومما يمثل عبثاً بالزي الإماراتي وموروثنا الأصيل، ما تقدمه بعض القنوات المحلية من برامج ومذيعات، دون أن نعرف هدفها أو الفائدة منها! ولنا مثال ناصع وأصيل بوزيرتنا المحترمة ريم الهاشمي، التي قدمت إكسبو دبي للعالم وهي تلبس الزي الوطني المحتشم والمحترم، ودون تشويه الموروث الوطني الإماراتي.
إن أمر الهوية والمحافظة عليها شديد الخطورة عظيم الأهمية، مما يتطلب من كل أبناء الوطن التكاتف للمحافظة عليه، ومراعاة الهوية الوطنية في العملية التعليمية بصفة عامة، وفي المناهج التعليمية على اختلاف مراحل التعليم حتى الجامعي بصفة خاصة، وهذا يتطلب أن يتم الإشراف على التعليم بشكل اتحادي كما تنص المادة 120 من الدستور، وأن تقوم وزارة التربية بدورها ولا تتخلى عن اختصاصها.
وكذلك لا بد أن تقوم المؤسسات الإعلامية والدينية بدورها في هذا الأمر، وأن تخصص البرامج التوعوية التي تعزز الهوية والولاء للوطن في نفوس أبنائه، وترصد العادات والتقاليد غير الإيجابية وتقوم بمعالجتها، مستغلة في ذلك الثورة التكنولوجية والإعلامية التي تشهدها دولتنا، حتى نستطيع أن نثبت في وجه طوفان العولمة الهادر، الذي يأخذ في وجهه أي أمة فرّطت في أصولها واستهزأ أبناؤها بثوابت وطنهم وتراثهم.
– البيان