يختلط صوت ميشيل أيوب وطبلته بصوت هدير موج بحر مدينة عكا، وهو ينادي «سبحان الحي القيوم، سبحان الدايم، اصح يا نايم» فجر كل يوم في شهر رمضان.
وقد يكون المسحراتي المسيحي الوحيد في العالم، لكنه يدرج عمله هذا في إطار الحفاظ على تقليد جميل.
يبدأ ميشيل أيوب (39 عاما) جولته في شوارع مدينة عكا الفلسطينية اعتباراً من الساعة الثانية فجراً لإيقاظ المسلمين في شهر رمضان، وهو عمل يقوم به منذ 13 عاماً.
ويقول أيوب «كنت أسمع وأنا صغير عن المسحرين وعادة التسحير وأجواء رمضان في قريتي، ورأيت أنها بدأت تندثر، وكنت أفكر طوال الوقت بفكرة إحياء التراث حتى لا تنقرض هذه العادة».
ويروي أن جده لأبيه كان يستمع كل يوم جمعة إلى القرآن الكريم حتى الواحدة ظهراً، موضحا «تشربنا ذلك من البيت».
وينطلق أيوب من حي الفاخورة القريب من البحر في عكا القديمة، مرتدياً سروالاً عربياً تقليدياً مع شملة دمشقية تلف خصره ومسدلا على كتفيه كوفية ومعتمراً عمامة بيضاء. ويحرص على أن يكون في المكان قبل الوقت المحدد لبدء عمله، كي لا يتأخر على الناس.
يبدأ ميشيل مهمته بالبسملة يتبعها بموال «يا صايم وحد الدايم. قوموا لسحوركم خلي رمضان يزوركم». وينتهي من التسحير مع أذان صلاة الصبح. وهو يتفنن في ارتجالات ابتهالية تشعر الناس بالخشوع والسعادة.
وبدأ ميشيل، المسيحي الكاثوليكي، يسحر أهل بلدته «المكر» شمال مدينة عكا وبلدة الجديدة المجاورة، ثم انتقل قبل 13 عاماً لإيقاظ الناس في مدينة عكا القديمة التي ازدانت أحياؤها بالأضواء والعبارات المرحبة بشهر الصوم.
وكان لميشيل فرقة عراضة للأفراح لكنه بات يفضل مواويل السحور.
ويقول «أخذت على عاتقي إعادة تقليد السحور، وكانت مهمة صعبة، أصعب من العمل بالموسيقى».
ويضيف «أنا أنتظر رمضان بالدقيقة والثانية»، معتبراً أن «الرب اختار لي هذه المهمة، فلي علاقة روحية بها لأن يسوع المسيح يبشرني بأن أساعد أخي المسلم الذي يتكبد مشاق الصوم والعطش».
ويعمل ميشيل أصلاً في التبليط والقصارة والبناء. ويقول «اعتدت أن أذهب متأخراً إلى العمل في رمضان بعد التسحير، فأنا أحب ما أقوم به».
ويوضح «أنا لا أقبل نقوداً من الناس في مقابل مجهودي. فهذا شهر كريم يعطينا من حسناته وأنا أعطي مجهود 30 يوماً لرب العالمين».
ويلاقي العكاويون تطوع ميشيل لهذه المهمة بالترحيب، ويردون على صيحاته ومواويله حين يمر في حاراتهم «الله يسعدك»، ومنهم من يخرج إلى الشرفات لإعلامه بأنهم استيقظوا للسحور.
وتخبر صابرة عكر (19 عاما) وهي تجلس مع عائلتها لتحضير طعام السحور «نحن ننتظر ميشيل بصبر نافد، نحن نحبه ونحب صوته كثيراً.. كبرت وأنا أسمعه».
وتقول صفية سواعد (36 عاما) «نحن فخورون به (..) الله أرسله لنا لكي يبعث لنا هذه الأجواء الساحرة، وهو أحيا تقليداً مات عندنا».
ويصطحب ميشيل معه فتى عربياً يدعى أحمد الريحاوي (12عاما) وهو يلبس سروالاً أسود، ويتناوب معه على الضرب على الطبلة الصغيرة.
ويقول ميشيل عنه «أرى فيه مسحراتي المستقبل، فهو متعدد المواهب»
ويعبر ميشيل، خلال جولته، كل أزقة مدينة عكا القديمة، المدينة الكنعانية التي أسست قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة، ويحيطها سور قديم جدد بناءه الحاكم الفلسطيني في العهد العثماني ظاهر العمر الزيداني في القرن الثامن عشر.
ويقول محمد أبو حمام (23 عاما)، الذي يعمل سائق باص «الناس في عكا يحبون ميشيل كثيراً. هو هنا منذ سنوات. اعتدنا عليه، ولأنه مسيحي نشعر بالفخر لقيامه بهذه المهمة».
ويقول أيوب «مدينة عكا لا يوجد فيها تمييز بين مسيحي ومسلم، ويتمتع الناس فيها بالمحبة».
الاتحاد