قال مدير إدارة التفتيش الأمني «k9» بالإدارة العامة للأدلة الجنائية في شرطة دبي، المقدم عبدالسلام محمد الشامسي، إن إدارة تدريب الكلاب البوليسية أسهمت في حل قضايا معقدة، وضبط متهمين بجرائم عدة، فضلاً عن دورها في التأمين والتأكد من سلامة المواقع والفعاليات، مشيراً إلى أنه تم ترويض الكلاب البوليسية على استخدام التكنولوجيا عبر تطوير جهاز لإرشاد الكلب عن بعد، عبارة عن كاميرا حديثة وناقل للأوامر الصوتية.
وأضاف أن من أبرز القضايا العثور على جثة الطفلة «وديمة»، وكذلك المساهمة في ضبط شخص تورط في جريمة قتل عمد وحرق المجني عليه داخل سيارته، والتوصل إلى لص في جريمة سرقة غامضة، والعثور على جثة رضيع دفنته أمه بالقرب من أحد الشواطئ، بالإضافة إلى عشرات القضايا الأخرى والمهام المتعلقة بالمخدرات والمتفجرات وتتبع الأثر والبحث عن الجثث والمفقودين، بالإضافة إلى مهام الحراسة وفض الشغب.
وكشف الشامسي، عن تطوير تقنيات جديدة لاستخدامها في مجال الكشف عن المتفجرات بطريقة آمنة ومضمونة، ونفذت 2897 مهمة متنوعة خلال سبعة أشهر من يناير إلى يوليو الماضيين، بالإضافة إلى تنفيذ 4062 مهمة خلال العام الماضي.
وعايشت «الإمارات اليوم» تجربة حية لجهاز ابتكرته الإدارة عبارة عن كاميرا مثبتة في رأس الكلب مع سماعة عالية الجودة يتلقى من خلال الأوامر عن بعد من مدربه حتى يصل إلى هدفه ثم يعطي إشارة إلى اكتشاف المادة المتفجرة.
وتفصيلاً، قال الشامسي إن مجال الابتكار في تدريب الكلاب البوليسية يعد أمراً معقداً، لأن التعامل يكون مع حيوانات تتميز بحاسة الشم وليس مع أجهزة، لكن شرطة دبي سعت لتطبيق تجربتها الخاصة ومحاولة تطويع التقنيات لخدمة أهدافها، فتم تطوير جهاز عبارة عن كاميرا حديثة وناقل للأوامر الصوتية يمكن استخدامه في إرشاد الكلب عن بعد إلى المناطق المشتبه في احتوائها على أي متفجرات، بهدف حماية الأرواح.
وأوضح أن التجربة واجهت تحديات كبيرة، وأكد خبراء أجانب استحالتها لكن الإدارة عكفت عليها ودربت الكلاب شهوراً حتى استجابت، ثم بدأ تنفيذها عملياً بنجاح، لافتاً إلى التغلب على تحدٍّ أساسي ومهم في هذه التقنية، وهو حاجة الكلب إلى أن يرى مدربه ويتواصل معه مباشرة بالأوامر الصوتية، لكن صار من الممكن الآن توجيهه من مكان بعيد تماماً، خلف جدران، وإذا رأى المدرب من خلال الكاميرا أن هناك خطراً يطلب من الكلب الابتعاد عنه فوراً.
وأشار إلى أن الكلاب البوليسية تلعب أدوراً حساسة في قضايا معقدة وخطرة، لذا كان التفكير في كيفية توفير الحماية للمدربين والحفاظ على سلامتها، مضيفاً أنه تم ابتكار روبوت على شكل إنسان يمكن استخدامه في التدريب على اكتشاف المتفجرات، بزرعها فيه، لأن الكلب يجب أن يدرب على متفجرات حقيقية، ووجود بديل للإنسان حتى يكون أداة التدريب كان تطوراً مهماً وضرورياً.
وأوضح الشامسي أن شرطة دبي لم تستورد تجارب خارجية في مجال تدريب الكلاب البوليسية، لأن ظروف الدولة مختلفة كلياً سواء من حيث الطقس أو الوضع العام، لذا أسست مدرستها الخاصة التي تغلبت بها على كل التحديات، وصار لديها كلاب قادرة على تحمّل طبيعة الطقس وممارسة أدوارها بفاعلية ونجاح.
وأفاد بأن الإدارة انتقلت من مرحلة التأسيس إلى العالمية بالحصول على شهادة من الولايات المتحدة كأول وحدة تدريب عربية بعد استجابتها لنحو 14 ملاحظة حددتها أكاديمية شرطة يوتا.
وذكر أن الكلاب البوليسية الآن انتقلت من مجرد المشاركة في مهام تقليدية إلى لعب دور رئيس كخط دفاع أول في أوقات الكوارث، مثل الزلازل وغيرها، فتنتقل للبحث عن الجثث قبل فرق الإنقاذ والإسعاف، لافتاً إلى المشاركة في عمليات البحث عن ضحايا الزلزال الذي ضرب مدينة قم الإيرانية، وكارثة تسونامي، وزلزال باكستان.
ولفت إلى أن الإدارة تضم شعباً متخصصة وحساسة، تشمل الكشف عن المتفجرات والأسلحة والذخيرة والمخدرات، وتتبع أثر الجناة وتمييز الروائح، والبحث عن المفقودين، والحراسة، وتشارك أيضاً في الكشف عن أسباب الحرائق، وفض الشغب.
وحول أهمية الكلاب البوليسية رغم تطور التقنيات الحديثة، قال الشامسي إن العلماء حاولوا تطوير أجهزة خاصة يمكن الاعتماد عليها في عملية الشم، لكن لم يتفوق أي منها على الكلب البوليسي الذي يملك أكثر من 250 مليون خلية شم مقابل خمسة ملايين فقط للإنسان، كما أنه حيوان ذكي واجتماعي ويسهل تدريبه.
وأضاف أن الكلب البوليسي يوفر الجهد والوقت وهذا معيار نجاح أي منظومة أمنية، فاستخدامه للكشف عن شيء ما مثل جثة أو سلاح أو غيرهما، يمكن أن يستغرق ثلاث دقائق أو أكثر أو أقل حسب المكان.
وأوضح أن الإدارة اهتمت بجلب كلاب بوليسية ذات جودة عالية من مزارع عالمية محترفة، وتحرص على شرائها في سن صغيرة وإحضارها إلى الدولة في موسم معتدل ليس حاراً أو بارداً حتى تألف أجواء البلاد، وتكون من النوعية التي يمكنها تحمل الحرارة وتمارس عملها بكفاءة تحت أي ظرف.
وأكد الشامسي أن أهمية اختيار المدرب المناسب لا تقل دقة عن آلية اختيار الكلب، إذ يجب أن يكون هناك نوع من التوافق بين المدرب والكلب، لأن كليهما يؤثر في الآخر بالسلب أو الإيجاب، ويراعى ذلك حتى في البنية الجسدية، فلا يخصص مدرب ضعيف مع كلب قوي والعكس، أو مدرب كسول مع كلب نشيط.
وأفاد بأن كفاءة الكلب تعتمد إلى حد كبير على علاقته بمدربه، لأن جانباً كبيراً من عمله يعتمد على فكرة إسعاد المدرب وإرضائه، لذا نطلب من المدربين عدم التأثر بعوامل خارجية أثناء وجودهم مع كلابهم، لأن الكلب يشعر بمدربه إذا كان حزيناً أو سعيداً أو متوتراً، ويحاول إرضاءه بشتى الطرق.
وأشار إلى أن الإدارة تهتم كذلك بتأهيل مدربيها لما يقع عليهم من مسؤولية في تحقيق نتائج أفضل بالمهام المنوطة بهم، فالمدرب هو المعني بتحديد المساحة التي يعمل بها الكلب، ويجب عليه أن يكون ذكياً، وملماً بطبيعة القضية التي يعمل عليها، حتى يستطيع توجيه الكلب سواء في عملية البحث أو التأمين أو تمييز الروائح والمشتبه فيهم، كما يجب أن تمتد فنياته إلى كيفية الحفاظ على الأحراز حتى تستخدم كأدلة لاحقاً.
وكشف أن هناك كلاباً مبدعة تؤدي أكثر من المطلوب منها أحياناً، مثل كلب استخدم في قضية سرقة خزنة من منزل في مزرعة، فانطلق في المنطقة الرملية المجاورة حتى حدد نقطة معينة دفنت فيها الخزنة، وظن الجميع أن مهمته انتهت، لكنه أكمل طريقه حتى وصل إلى سكن عمال يضم 10 غرف، فدخل غرفة معينة يوجد فيها أكثر من 20 شخصاً، كان أحدهم نائماً فأمسك به الكلب، ليتبين أنه اللص.
وأفاد بأن كلباً آخر استخدم في واقعة حريق سيارة عثر على حذاء بجوارها، واستطاع تحديد مشتبه فيه من بين 25 شخصاً، وتبين أن الحريق يخفي جريمة قتل عمد لشخص عثر عليه داخل المركبة.
وذكر الشامسي جريمة قتل عامل بأداة حادة تورط فيها عامل آخر صوره المجني عليه في وضع غير مقبول، فقتله ودفن أداة الجريمة في مكان، ثم دفن الهاتف الذي استخدم في تصويره في مكان آخر، فتم الاستعانة بالكلاب البوليسية التي كشفت المكانين رغم مرور فترة من الوقت وصعوبة القضية.
وتابع أن الكلاب البوليسية أسهمت في ضبط مئات من قضايا المخدرات، من بينها قضية شخص أخفى مخدرات في إناء قهوة بطريقة احترافية للغاية يصعب كشفها، لكن الكلب توصل إليها وسط مفاجأة الجميع.
وقال الشامسي، إن هناك فروقاً فردية بين كلب وآخر حتى لو كانا من الفصيلة نفسها، تبدأ بقوة حاسة الشم والذكاء والنشاط والجرأة، بل إن هناك كلاباً مبدعة تفعل أكثر من المطلوب منها، وتضيف لمستها الخاصة لإرضاء مدربها والحصول على إشادته.
وحول إمكانية تأثر الكلب بالمخدرات التي يدرب عليها، أفاد الشامسي بأن الكلاب لا تدمن على المخدرات، إذ يتم تدريبها على رائحتها وليس على المواد نفسها، ما يجعلها قادرة على التمييز بين 12 نوعاً مختلفاً في عائلة المخدرات، وكذلك الأنواع المختلفة في عائلة المتفجرات، لكن يجب الفصل بين العائلتين، فلا يكلف بهما كلب واحد، بل يخصص كلب لكل منها.
وأوضح أن هناك ثلاث مراحل تربط الكلب بمدربه: الأولى التعارف والتآلف، والثانية الطاعة من قبل الكلب، والثالثة التدريب على مهام بعينها، مشيراً إلى أن هناك 63 كلباً بوليسياً موجودة الآن لدى الإدارة من أنواع مختلفة، أبرزها الراعي الألماني، ولبلادور، والمالينوا، وكوكر إسبانيل، والدوبرمان.
الامارات اليوم