خلال ست سنوات من التقاضي، ومئات الجلسات، وآلاف صفحات الدعاوى في الصراع القانوني القضائي مع شركة «سامسونغ» الكورية الجنوبية، لم تتلقَ شركة «أبل» الأميركية هدية قيمة مثل التي تلقتها الأسبوع الجاري من بطاريات الهاتف الذكي «سامسونغ جالاكسي نوت 7»، التي انفجرت بين أيدى العديد من مستخدميه، لتقرر «سامسونغ» سحب 2.5 مليون قطعة منه بعد أسابيع قليلة من إطلاقه، وقبل أيام قليلة من حفل الإعلان عن الهاتف الذكي «آي فون 7»، لتفعل البطاريات لـ«أبل» ما لم يفعله محاموها أمام المحاكم، وتقدم لها السوق على أرضية خصبة، لتحقق بالمبيعات ما لم تحققه بالقانون. وجاءت هذه الهدية من السماء لـ«أبل» في وقت توقع فيه الكثيرون أن هاتف «آي فون 7» سيكون في الأغلب مملاً، مقارنة بسابقيه.

وربما يكون ما حدث خلال الأسبوع الماضي للهاتف الذكي الجديد «جالاكسي نوت 7»، من المصادفات النادرة الحدوث في تاريخ صناعة التقنية والاتصالات، لأنه إذا كان هناك عدد قليل من المنتجات قد تعرض لهزة عنيفة عقب إطلاقه بأسابيع، فإن من النادر أن نجد منتجاً أو طرازاً جمع بين التعرض لهزة عنيفة عقب إطلاقه، وفي الوقت نفسه قبل إطلاق خصمه اللدود بأيام لهاتف بالمستوى نفسه.

استراتيجية الحرمان

كانت «سامسونغ» طرحت «جالاكسي نوت 7» أواخر يوليو 2016، استناداً إلى توقعات شبه مؤكدة قالت إن «أبل» ستطرح «آي فون 7» أوائل سبتمبر.

وكانت استراتيجية «سامسونغ» تستهدف بالأساس، الوصول بمنتجها إلى الأسواق قبل «أبل» بفترة تكفي للوصول بمبيعاتها إلى مستويات قياسية، تؤمن لها ركيزة قوية في الأسواق، وتحرم خلالها «أبل» قوة الدفعة المتوقعة خلال الموجة البيعية الأولى لـ «آي فون 7».

مشكلات «نوت 7»

إلا أن فترة السبق لم تحقق لـ«سامسونغ» أياً من أمانيها، وتقريباً، فقد خسرتها بالكامل، إذ واجه «جالاكسى نوت 7» سلسلة مشكلات تضمنت توقف نظام التشغيل تماماً عن العمل بلا سبب واضح، وعجز الدعم الفني لـ«سامسونغ» والمتاجر المتخصصة في إيجاد حل لهذه المشكلة الكبيرة.

ومن خلال الشكاوى، اتضح أن هذه المشكلة تحدث بعد إعادة ضبط الهاتف على إعدادات المصنع، والانتقال إلى الوضع الآمن، وهو اجراء يقوم به العديد من مستخدمي الهواتف للتخلص من العديد من التطبيقات والمحتويات التي تأتي مع الهاتف، والتي أضافتها «سامسونغ» أو الشركة المصنعة، باتفاق مع الشركات المطورة للتطبيقات، والتي تدفع المال مقابل استضافة تطبيقاتها على الهواتف الجديدة، لزيادة عدد مستخدميها وشهرتها، وقد سارعت «سامسونغ» إلى تعويض المستخدمين المتضررين ممن أبلغوا بالمشكلة بالحصول على نسخة جديدة من الهاتف.

وظهرت أيضاً مشكلة أخرى تتمثل في «تجمّد» الجهاز، والعودة الى التشغيل بشكل تلقائي، وقد قال بعض المستخدمين إن هذه المشكلة يتم حلها جزئياً بعد إعادة تركيب نظام التشغيل الأساسي، إلا أنها تعود بعد ذلك من جديد.

أما المشكلة الثالثة التي جرى الإبلاغ عنها في «جلاكسي نوت 7»، فكانت دخول الجهاز في نوبة من «التشغيل اللامتناهي»، وهو في مرحلة «بدء التشغيل» bootloops، يعقبها انهيار برمجي وتوقف عن العمل، فضلاً عن مشكلات متعلقة بالشاشة، والبرمجة، والتوقف عن العمل، وهذا الأمر لا يتم تصليحه حتى لو تم عمل تفريغ لمحتويات الذاكرة المؤقتة «كاش»، والعودة إلى «إعدادات المصنع». إضافة الى مشكلات أخرى مربطة بالشاشة، وفي قلم الكتابة الخاص بالهاتف، إذ أبلغ عدد من المستخدمين أن قلم الكتابة على الشاشة إذ تم إدخاله بطريقة معكوسة على سبيل الخطأ، فلا يمكن إخراجه، وإذا تم إخراجه، فإنه لا يعود للعمل مرة أخرى.

انفجار البطارية

كل هذه المشكلات كانت محتملة، ويمكن التعايش معها، وحلها أولاً بأول، لكن القشة التي «قصمت ظهر البعير»، وأدخلت «سامسونغ» في كابوس، كانت تتعلق بالبطارية، إذ تعددت البلاغات من أكثر من مكان في العالم عن حدوث انفجار في البطارية، يعقبه تلف واحتراق للهاتف وشاشته، بحيث لا يعود للعمل، وهنا أعلنت «سامسونغ» عن وقف بيع «جالاكسي نوت 7» بكل طرازاته، وسحب 2.5 مليون وحدة كانت وصلت إلى الأسواق.

هدية غالية لـ «أبل»

وبهذا تكون «سامسونغ» قد فقدت ميزة «المبادأة»، وفشلت في حرمان «أبل» قوة دفع الموجة البيعية الأولى لـ«آي فون 7»، إذ أصبحت الصورة الذهنية لـ«جالاكسي نوت 7» مشوبة بعثرات وأخطاء حدثت في اللحظات الأولى لاستخدامه، وسُجل في تاريخه أنه الهاتف الذي انفجرت بطارياته في أيدى مستخدميه، وهذه الصورة الذهنية ستجعل العديد من المستخدمين المحتملين يقررون أن هاتف «آي فون» وإن جاء أقل من طموحاتهم وبضجة أقل من سابقيه، وتنقصه بعض الخصائص الموجودة في «جالاكسي نوت 7» مثل مقاومة الماء، والشحن اللاسلكي، فإنه في النهاية سيكون الهاتف الذي يعمل بلا مشكلات ولا تنفجر بطارياته، ولا يتم شراؤه اليوم ليتم سحبه غداً، ثم الانتظار لاستبداله بعد أسبوع أو أكثر، بآخر سليم.

حلقة مهمة في الصراع

إذا ما جرى وضع هذه المصادفات السيئة لـ«سامسونغ» والسعيدة لـ«أبل» في سياق الصراع المحتدم بين الشركتين، فإننا سنجد أنه يحمل أهمية خاصة لكليهما، فبداية الصراع القانوني بينهما كانت تتعلق باتهامات «أبل» لـ«سامسونغ» بأنها سرقت وانتهكت حقوق الملكية الفكرية والابتكار لـ«آي فون» و«آي باد»، ونقلتها كما هي في «جالاكسي»، حتى إن مؤسس ورئيس «أبل» الراحل، ستيف جوبز، وصف «جالاكسي» عند ظهوره للمرة الأولى بـ«الهاتف المسروق»، وقرر الدخول في حرب قضائية شعواء ضد «سامسونغ» لهذا السبب، وبدأها بدعاوى قضائية في ابريل 2011.

وفي المحصلة، جاءت الوقائع الأخيرة لتهدي إلى «أبل» شيئاً لم تستطع أن تفعله داخل المحاكم، فانفجار بطارية «جالاكسي» سبب لشركة «سامسونغ» خسائر مادية آنية وطويلة الأجل، تستطيع «أبل» استغلالها بصورة أو بأخرى، وتحقق من ورائها مكاسب ربما تجاوز الكثير من التعويضات التي طلبتها «أبل» من خلال المحاكم والقضايا.

الامارات اليوم