علي أبو الريش
المتطرف أعمى، يقفز من طرف خندق إلى الطرف الآخر، فلا يبالي لأنه لا يرى شيئاً، فلا قيمة لجمال الحياة لديه، ولا معنى للروح إن ذهبت سدى، لذلك فإن علاج التطرف يحتاج إلى فنان، مبدع، يستطيع أن يبرز مفاتن الحياة.. ورونقها وروعتها، ورشاقتها وأناقتها. المتطرف يذهب للموت، لأنه لم يفهم لذة الحياة، ولأنه أدخل في النفق المظلم بفعل فاعل، فلم ير نور الحياة، لم ير أشعة الشمس، لم ير الزهرة عندما تتفتح في الصباح، لتعبق الكون بالعطر، والسفر الجميل في عيون الطير، واخضرار الشجر.. المتطرف، فكر في الجنة، ولم يستدل طريقها، فتاه في صحارى الفيء وطغيان السريرة، ضاع في دياجير الجهل، مسربلاً بكذبة كبرى، أنه برفض الآخر يستطيع أن يستفرد بجنان في الخلد، ويفوز بالاستثناء دون غيره.. المتطرف إنسان نسي عقله في معطف، خسره يوم ركب قطار العقيدة بسرعة ولهوجة، ولم ينتبه إلا بعد فوات الأوان، لكنه لم يتراجع، وفضّل أن يواصل المسيرة حتى وإن بدا من دون عقل، الأمر الذي جعله يتخبط ويشطط، ويغلط، وينحط، ويسخط حتى وقعت واقعته، وصار مجرماً محترفاً لا يبالي في ارتكاب أفظع الجرائم وأعتى الآثام، ولأنه بلا عقل، فلا حساب لديه ولا عقاب، بل إن الضمير بات في إجازة مفتوحة، مثل بعض الموظفين «الرائعين» الذين وظيفتهم، أنهم بلا وظيفة. المتطرف عاشق للعبوس، والاكفهرار، وتعقيد الحواجب، وتغضين الجبين، وتعرف الواحد منهم منذ الوهلة الأولى، لأن علامته مميزة وماركته مسجلة، ووجهه مرآته، وقنوطه وسقوطه في بحيرات من الاحتقان وعدم الاتزان والامتهان والارتهان، لورطة فكرية، دفعه فيها أشخاص سجلوا أنفسهم في قائمة الذين يمنحون صكوك الغفران لهذا ويمنعونها عن ذاك، فلذلك فإننا نجد المتطرف الناشئ أو «الشبل» مندفعاً، متسرعاً ذاهباً إلى المجهول ولا يبالي، يباغتك بمصطلحات واهية، غامضة، مبهمة، لا تمت للدين بصلة، ولكنها عطيه حقنة شيطانية، تجعله في خصام وعدم وئام، مع من يخالفه أو يقف في طريقه، ولأنه أعمى، فقد يدهسك ولا يلتفت، قد يعجنك ويطحنك، ويغرقك بأفكار ما أنزل الله بها من سلطان، وينفخ صوره ويضغط على ألفاظه، ويظن أنه قد أفحم الناس جميعاً، لمجرد أنه حدث وبحلق، وصفق وطفق، وأبرق وأغرق، يشعر هذا الأعمى أنه طالما لا يرى شيئاً أمامه، فإن الناس جميعاً عميان، ومن هنا تبدأ الخدعة البصرية من هنا تبدأ المغالطة، والانحراف والانجراف، نحو عمق الكهوف المظلمة.. الأعمى لأنه لا يرى فلا يستطيع أن يحدد اتجاهه، إلا عن طريق، ومن قال إن الشمعة يمكن أن تضيء الظلام، بل هي قد تكون سبباً لإنهاء حياة، والقضاء على الأمل.. الأعمى لا يرى، فلذلك فهو يسقط في جوف القناعات الرمادية، ومهما يكن من أمر فهو من تحت الرماد، لا يرى إلا نفسه، وبينما الآخر مجرد سراب أو حكاية أحفورية، لا قيمة لها عند الأعمى.. عند المتطرف.
الاتحاد