عائشة الجناحي

تلد الأم بعد ولادة صعبة ومؤلمة فيتلاشى كل التعب بعد أن رأى طفلها النور وما لبثت أن أخذته في حضنها حتى يدخل الطبيب ليخبر الأب أنه لابد أن يتم وضعه في غرفة العناية المركزة على الفور، فيغمر الأم اضطراب مقلق وكان من الصعب عليها تحاشي التفكير عن أسباب أخذه بهذه الطريقة مما أقلق راحتها وجعلها تشعر وكأنها تفقد أنفاسها. وبعد ساعات يدخل الأب ليطمئن الزوجة فيقول: «إن قلب الطفل ينبض بشكل طبيعي فلا داعي للخوف وأنت تعلمين أن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، صحيح أن…»، فقطعت كلامه قبل أن يكمل وقالت «هل هو من ذوي الإعاقة؟»، فرد عليها «نعم هو من متلازمة داون». انهارت الأم وأجهشت بالبكاء فهي كما تظن أنهم لا يعيشون طويلاً فكيف لقلبها أن يتحمل فراقه بعد التعلق به.

الأعمار بيد الله، فعمار بوقس الملقب بقاهر المستحيل بعد شهور من ولادته أخبر الطبيب والده بأنه مصاب بمرض نادر جداً تسبب له بشلل كامل في جسده وهذا المرض لن يبقيه على قيد الحياة أكثر من سنتين، ولكن الأب تقبل الأمر وكان متيقناً أن كل ما يختاره الله عز وجل لعباده خير وبالفعل، وبرحمة الله وفضله، تمكن عمار بوقس أن يتجاوز الـ 26 عاماً. اليوم بعد أن حقق عمار النجاح بالإصرار والتحدي، سأله أحد الإعلاميين في مقابلة صحفية «أستاذ عمار كيف تعاملت الحياة معك لأنها لم تنصفك؟». فيرد بكل ثقة «الدنيا مليانة تحديات، وأنت لك القرار، يا تختار، يا تنهار، الإعاقة عمرها ما كانت نهاية الحياة عمرها ما كانت نهاية العالم، الإعاقة انطلاقة.. الإعاقة نقطة بداية». من قصة عمار ننهل أهمية مساندة الأسرة للمعاق فهي المجتمع الأول الذي يتعامل معه في بداية حياته ولها تأثير كبير في بلورة شخصيته الأساسية.

من الأمثلة الناجحة لذوي الإعاقة التي أرفع لها القبعة لاحترامي الشديد لها هي كليثم المطروشي التي حولت الألم إلى أمل بقهر كرسيها المتحرك بالإرادة، وهي قصة تحدٍّ نسجت حروفها بالإرادة وقهر الإعاقة، فاليوم هي إحدى أهم الرائدات في مجال نشر الوعي والاهتمام بالأشخاص من ذوي الإعاقة. والشخصية الأخرى التي تعجز قواميس اللغات عن وصفه الدكتور أحمد العمران الذي تحدى إعاقته البصرية وحول العجز إلى قوة بدعم من أسرته، فلقد أختار لنفسه طريقاً للدراسة خارج الدولة طلباً للعلم. وبالتصميم والإصرار استطاع أن يتغلب على إعاقته بعيداً عن أسرته، وعاد بصورة تفوق التصور، حاملاً شهادة الدكتوراه في القانون لأن هدفه هو تعزيز حق المعاقين للعمل في دولة الإمارات.

يلعب كل من الأسرة والمجتمع دوراً هاماً في نشر ثقافة التدخل المبكر وزرع الثقة وتذليل العوائق أمام الأشخاص ذوي الإعاقة وحماية حقوقهم ومساعدتهم على تخطي كل التحديات والعقبات الصغيرة ليصل بهم إلى بر الأمان.

البيان