محمد يوسف
هناك رجال لا يغيبهم الموت، ذكراهم تبقى عالقة في الأذهان، وأفعالهم تتحدث عنهم مدى الدهر، وراحلنا الكبير مازال حاضراً بيننا، هو من أولئك الرجال الذين يستند إليهم التاريخ مسطراً إنجازاتهم.
الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، علامة فارقة في تاريخ دولة الإمارات، 26 عاماً مضت على رحيله ولا يزال بيننا، نلتفت يميناً فترى دولة الاتحاد التي قامت لحظة أن وضع يده في يد زايد، طيب الله ثراهما، ونلتفت شمالاً فنرى دبي شامخة بفضل فكره المتقدم على عصره، وننظر إلى الأمام فنرى محمد بن راشد يصعد بنا درجات الرقي والتقدم والتميز والريادة مكملاً مسيرة الأب، ومثبتاً القواعد التي بناها، نراه في كل مكان، فمثله لا يغيب.
نتذكر راشد الذي لا يهدأ، كان شعلة من النشاط، ولم يقف يوماً على بقعة من الأرض ويشر بأصبعه للذين حوله، موجهاً ومخططاً، وحالماً، سبحان الله، إلا وكانت تلك البقعة بعد وقت قصير مركزاً حيوياً لمشروع كبير يصبح حديث العالم طوال العقود التالية؛ ولا يتوقف أبداً، حتى في فترة المرض لم يتوقف، يسأل عن كل صغيرة وكبيرة، ويراقب الإنجازات، يراها بعينيه حتى يطمئن قلبه، ولا يتَّكل على التقارير، بيديه كان يطلق إشارات البدء، وبيديه كان يتلمس أحلامه وقد أصبحت حقيقة.
لم أقترب من راشد كثيراً، ولكني في يوم واحد ولأكثر من خمس ساعات حظيت بفرصة من فرص حياتي التي أعتز بها، كان ذلك في عام 1980، يوم زار مدينة العين بدعوة من سمو الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان، وتجول في أرجائها؛ أراد أن يتعرف المدينة التي أحبها زايد ومنجزاتها، وبعين المواطن المحب رأيته، وبأذن الصحفي سمعته، ومازالت كل أحداث ذلك اليوم تمر أمامي، لا يذكر راشد إلا وتذكرتها؛ فقد كان ذلك اليوم بالنسبة لي يساوي أربع سنوات من الدراسة الجامعية وأكثر، يومها رأيت راشد الحاكم، وراشد رئيس وزراء الدولة الاتحادية، وراشد الباني، وراشد الإنسان، كل الصفات التي تحلى بها الرجل المؤسس الذي نتذكره اليوم تلمستها بكل حواسي في ساعات قليلة، وتعلمت منها الكثير.
رحم الله راشد بن سعيد.
البيان