عائشة سلطان

يصر البعض – جهلاً أو غروراً – على تحويل الأفكار والمخترعات العظيمة التي يمكن توظيفها لصالح المجتمع والإنسان كالوطنية والانتماء والحرية وغيرها إلى مجرد سجالات وسخافات ووسائل للتكسب، فيوظفونها لفتح دكاكين فتنة على تويتر أو غير تويتر لتوتير علاقة الإنسان بمجتمعه أو للتعدي على سمعة الآخرين أو تكفيرهم، والنيل من ولائهم ووطنيتهم، يحدث هذا دائماً، لكنه ينتعش أحياناً بواسطة بعض المتسلقين ممن لا يعون خطورة الجريمة التي يرتكبونها وما يمكن أن تقود إليه!

ليست كل الأفكار التي ظهرت عبر التاريخ عظيمة ومفيدة، فهناك أفكار بائسة بلا شك، وهناك فلسفات عقيمة، وتوجهات كارثية قادت الإنسانية لحروب وأزمات طاحنة، كالعنصرية مثلاً، الشيوعية، الطائفية، القنبلة النووية، وكالمكارثية التي ألب أنصارها المجتمع الأميركي سنوات الخمسينات ضد بعضه البعض، مستغلين هاجس الرعب وشعور العداء ضد الشيوعية لدى المجتمع إلى أن اتضحت الحقيقة وانكشفت بعد أن دفع كثيرون ثمناً باهظاً!

وكما أنه ليست كل الأفكار صالحة، فقد وجد على الدوام من يلوي عنق الحقيقة والأفكار العظيمة والاختراعات الإنسانية؛ ليحول الأمور إلى جهة أخرى مغايرة ومختلفة، المهم أنها تخدم مصالحه الضيقة، وغالباً ما ينجح أمثال هؤلاء لأنهم يتسترون بشعارات كبيرة، لكنهم لا يبقون تحت الضوء طويلاً، لأن الخديعة لا منطق لها، ومع ذلك فإن أصدقاء (جوزيف مكارثي) موجودون دائماً أينما تلتفت تجدهم يملؤون المكان صراخاً وادعاءً!

كل المجتمعات اليوم تتعرض لمخاطر بلا حصر، وفي كل المجتمعات هناك خوف ماثل أو عدو متربص، هذا ما يستغله الكثيرون لتنفيذ مصالحهم، سواء كان هؤلاء المستغلون دولاً أو منظمات أو شركات عملاقة، أو حتى علماء ومثقفين!

تجار السلاح مثلاً تلوح فرصتهم الذهبية في فترات المخاوف، فيضخون الكثير من الإشاعات لمضاعفة مخاوف الدول من جيرانهم، فيصورونهم بأنهم على وشك ابتلاعهم ليدفعوهم لشراء المزيد من السلاح، أما المتاجرون بالمبادئ الكبرى فيثيرون مخاوف المجتمع ضد بعضه بعضا ويصورون البعض كخونة، أو لا منتمين، ليظهروا هم كمنقذين ووطنيين.

الكذب بلا أرجل، والمجتمعات لا تبقى ساذجة طويلاً، وإن صدقهم الناس يوماً فإنهم لن يفعلوا ذلك إلى الأبد، ذلك أن الخيانة تهمة عظيمة لا يستسهلها إلا الأغبياء والحمقى!

البيان