د. فاطمة الصايغ

في كل يوم يفصح عن مشروع جديد من المشاريع العملاقة التي تميزت بها دولة الإمارات والجاري تنفيذها، وفي كل يوم يتم الإعلان عن مشروع اقتصادي وتنموي جديد ومغاير يكمل تلك البنية التحتية المتطورة التي تميزت بها الدولة.

وكأكاديميين تنتابنا أحياناً الهواجس بأهمية توثيق كل لحظة لأنها جزء من مسيرة الدولة. فالتغير سريع ولا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن عمل توثيقي أو إعلامي يوثق مسيرتنا يجري الإعداد له في الخارج، في حين يتوافد أعداد كثيرة من الباحثين الأجانب إلى بلدنا رغبة في رصد التغير الحاصل عن قرب. هذا الأمر يجعلنا نطالب بضرورة التوثيق السريع لكل جوانب هذه المسيرة.

ليس فقط جوانب التغير المادي، كالجوانب العمرانية والبيئة، هي التي تحتاج إلى توثيق ورصد وتحليل، بل جوانب التغير غير المادي ومنها التأثيرات اللغوية والاجتماعية والقيمية، وهي كلها ظواهر تحتاج إلى رصد وتحليل وتوثيق حتى لا تأتي اللحظة التي نحتاج فيها إلى استعادة ذكرى تلك الأشياء فلا نجدها.

اللحظات التي يجب توثيقها هي في واقع الأمر مرحلة مهمة من مراحل تطورنا الحضري والحضاري، وسعينا إلى توثيقها لا ينبع فقط من رغبتنا في حفظ تاريخنا، ولكن لرغبتنا في تقديمها للعالم بوصفها تراثاً إنسانياً للبشرية كافة. فكثيرة هي الجهود التي عملت بجد واجتهاد لتوثيق بعض من مكونات تراثنا وأظهرته للعالم عن طريق منظمة الثقافة والعلوم «اليونسكو» بوصفه تراثاً إنسانياً.

القلاع والحصون والخور وواحات النخيل تم حصرها ورصدها وتقديمها للعالم كتراث إنساني. فلا يجب التهاون في قضية حفظ مكونات تراثنا غير المادي أو الخشية من إظهاره. فلكل مجتمع خصوصية وخصوصيتنا تكمن في تراثنا الذي حافظنا عليه ونقلناه من جيل إلى جيل، هذا التراث هو الذي نفخر اليوم بإظهاره وتقديمه للعالم.

إن العالم وهو يأتي إلينا في 2020 يريد أن يرى ثقافتنا الأصيلة، سواء المادية أو غير المادية، والتي تشهد على عراقة المنطقة وتاريخها الموغل في القدم. فلدينا الكثير مما يود العالم أن يراه ويسمعه. لدينا الفولكلور الشعبي المتمثل في الرقصات الشعبية ذات الخصوصية والمرتبطة بتراث البادية والجبل والصحراء، تماماً كما لدينا تراث أهل الحضر.

بالإضافة إلى ذلك لدينا الموسيقى والرياضات الصحراوية بأنواعها كالصقارة والتي نجحنا في تسجيلها كتراث عالمي، ولدينا رياضة الصيد بالكلاب وسباقات الهجن والخيل العربية الأصيلة، كما لدينا الكثير من الحرف التقليدية التي حافظنا عليها. كل تلك الأدوات تحتاج إلى تسجيل وتوثيق وتقديم بشكل جيد.

ولا شك أن مراكز التراث الموجودة في الدولة قد قامت بجهود مخلصة للحفاظ على هذا التراث، وجاءت المتاحف لتكون شاهداً آخر على أهمية التوثيق والحفظ.

ولكن الإمارات ليست فقط تاريخاً وتراثاً غارقاً في القدم. الإمارات هي حداثة وابتكار وإنتاج فكري يعكس جدارة أهل المنطقة في توظيف كل حديث وتطويعه لخدمة أهداف التنمية في المنطقة. فهناك الابتكارات والأفكار الجادة التي تدر اليوم ذهباً على المنطقة، وتضيف نقاطاً مضيئة إلى رصيدها الحضاري.

فكما انتعشت المنطقة قبل النفط معتمدة على أفكار أهلها وتجارها تنتعش اليوم معتمدة على عقول أبنائها وبناتها. إن الإمارات وهي تحتضن إكسبو 2020 مدركة كل الإدراك بأنها تقدم للعالم شيئاً جديداً قائماً على تلاقح العقول لصنع مستقبل أجمل للأجيال القادمة. فقد مضى زمان وأتى آخر، حيث يمضي فيه الأحفاد على خطى الأجداد في الابتكار وفي الإنتاج المعرفي الذي يضيف الجديد إلى العالم الذي نعيش فيه.

إن الإمارات وهي تستعد اليوم لحدث إكسبو إنما تستعد لاستقبال ملايين العقول الجديدة التي سوف تنفتح على حضارة المنطقة. فمن خلال تقديم تراثنا وتاريخنا وحضارتنا المعاصرة نأمل أن نقدم صورة جديدة مختلفة عن شعوب المنطقة. لقد كسرت الإمارات دوماً تلك الصورة النمطية التي حبس فيها العرب، وأظهرت للعالم صورة شبابية جديدة قائمة على العلم والمعرفة وعلى إظهار الندية مع الآخر.

فلديها من العقول ما تضاهي بها العالم، ولديها من الأفكار ما يمكن ترجمتها إلى مشاريع تنموية متميزة، ولدينا من الطاقات الشبابية ما يمكن أن تبهر بها العالم. إن فوزنا بتنظيم إكسبو هو أعمق دليل على أننا لا نحتاج إلى مساعدة أحد كي ننجح، ولكنا نحتاج إلى النظر إلى أعماق أنفسنا لنشعر على الدوام أننا لسنا بأقل من غيرنا، وأننا متى ما عقدنا العزم حققنا المستحيل، لهذا نردد دائماً مع قادتنا أنه لا مستحيل في قاموس دولة الإمارات.

البيان