ناصر الظاهري

كثيرون لا يعرفون اسمها، ولكنهم بالتأكيد يتعرفون إلى صورتها، تلك الصورة القديمة التي تعود إلى عام 1984، حينما تمكن مصور مجلة «ناشيونال جيوغرافيك»، «ستيف ماكوري» من تصوير فتاة أفغانية، عمرها 12 عاماً، ذات عينين خضراوين كالزيتون، كانت يومها لاجئة في مخيم في شمال غرب باكستان، إثر الغزو السوفييتي لبلدها عام 1979، وظهرت على غلاف أشهر مجلة، وعُدّ حينها الغلاف من أنجح وأشهر أغلفة المجلة تاريخياً، كانت تلك الفتاة، بتلك النظرة مثل أيقونة كنائسية، جمعت براءة الطفلة، وخوفها من الآتي، وتحدي البقاء والفقر والغربة، كان كل شخص يقرأ من وجهها، وما على وجهها من تعابير، كيفما يريد، وأتذكر في سنة من السنوات، وأثناء التجوال في مدن الله، وجدت لوحة للفتاة الأيقونة، مرسومة على «كانفاس» بدقة متناهية، وكم كانت فرحتي بتلك المصادفة، وفرحتي الكبرى في اقتنائها.

لكن هناك أشياء جميلة يجب أن لا تنبش، ويجب أن تظل على هيئتها القديمة في الذاكرة، ويجب أن لا نحرقها بحضورها من الماضي عنوة إلى الحاضر، تماماً كمن يخرج أيقونة من كاتدرائية مسكونة بالبرودة والتراتيل، وتلك العطور الشرقية التي جلبتها القوافل السيّارة، وصحائف من العهد القديم تلقي بثقلها التاريخي على جدرانها إلى برج زجاجي يضج بالمكاتب وطقطقات آلات الموظفين الحاسبة، ورائحة بقايا السجائر المختلطة بعطور ما بعد الحلاقة، هكذا فعلها المصور الأميركي «ستيف ماكوري»، حين بحث عن «أيقونته القديمة» بعد 17 عاماً، ليجدها هذه المرة في قرية نائية في أفغانستان، وقد غدت حرمة، مع زوج خبّاز، وتحتها ثلاث بنات، وما زالت تكابد الحياة، وأخذ لها اللقطة نفسها، لكن هذه المرة في عام 2002، وقد تغيرت «الأيقونة» أو غيرتها السنون، وأول العطب كان في ذهاب ذلك اللون الزيتي من العينين، والمقتبس من تلك الشجرة المباركة!
آه.. كلمة الأسف تلك، قالها الكثيرون حينما شاهدوا الزمن كيف يكسر الأشجار الخضراء المثمرة، وكيف يجري على الوجوه حافراً أخاديده، وحزنه الدفين، لكنّ الجميلين منهم أغمضوا عيونهم على الأيقونة القديمة، وناموا.

للذين لا يعرفون اسم تلك الفتاة الأفغانية، اسمها الحقيقي «شربات غولا»، قبل أن تتمكن السلطات الباكستانية من إلقاء القبض عليها لانتحالها شخصية الغير، وحملها أوراقاً رسمية مزورة، والتي ينتظرها سجن قد يصل إلى 14عاماً، وغرامة قد تصل إلى 5 آلاف دولار، من أجل أيقونة الحياة المظلومة، افتحوا قلوبكم.. وجيوب معاطفكم، ففي الحياة هناك أشياء تستحق أكثر من برواز نؤطر به لوحة الموناليزا الحزينة دوماً!

الاتحاد