سامي الريامي

«اتخذت الإمارات الإبداع والابتكار طريقاً، والإبداع لابد له من أسس ودعائم، وتلك الدعائم موجودة على صفحات الكتاب، وبين غلافيه»، و«القراءة هي مفتاح المعرفة وجسر الوصول إلى مكنونها والسبيل إلى أعلى مراتب الابتكار في شتى المجالات»..

لم تكن هذه الجُمل مجرد تصريحات لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بل نهج وخطة تم إقرارها والمضي في تنفيذها بدقة، وحققت نجاحاً لافتاً في فترة زمنية قصيرة، خطة متميزة مكونة من محاور عدة، استطاعت أن تنشر العلم والمعرفة والثقافة بين أوساط مختلف أجيال الوطن العربي بأسره، لم تكن مخصصة لدولة الإمارات فقط، بل عمّت فائدتها جميع الدول العربية من دون استثناء، والمستقبل يبشّر بفائدة أعظم، حيث أعلن سموه أن مشروع تحدي القراءة وضع سقفاً طموحاً لدخول سبعة ملايين عربي لبرنامج القراءة للسنة المقبلة.

الإمارات آمنت بأهمية نشر المعرفة، وآمنت بأن الثقافة ونشر الأفكار الوسطية هما السبيل الوحيد لمكافحة التشدد، وأدركت أن نشر السلام والمحبة يبدأ من توسيع مدارك وأفق الإنسان المعرفية والثقافية، وأيقنت أن التشدد والتطرف لن ينهزما بالطائرات والمدفعية والرصاص، بل بالكتاب وتشجيع الناس على القراءة لمعرفة الفكر الضال وعزله ومن ثم هزيمته، وبدأت بتنمية العقول قبل أي شيء آخر، ونتيجة لذلك وضعت الدولة أخيراً القطعة الأساسية لأول قمر اصطناعي في العالم العربي يصنّع بالكامل بأيدٍ إماراتية.

أدركت الإمارات أن كلمة «اقرأ»، التي بدأت بها الرسالة السماوية، وكانت فاتحة آيات القرآن الكريم، فيها أمر إلهي، فهي جاءت بصيغة الأمر، ما يعني أن القراءة ليست خياراً يفعله المسلم أو يتجنبه، بل هي جزء لا يتجزأ من تعاليم الدين الإسلامي، وفيها يأمر الخالق ـ عز وجل ـ عباده بضرورة القراءة، لذلك التقطت الإمارات هذه الإشارة التي لم يفكر بها المسلمون في جميع أنحاء العالمين الإسلامي والعربي، وأصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، قانون القراءة، لتتحول من عادة إلى فعل إلزامي ينصّ عليه القانون، وبذلك تكون الإمارات الدولة الوحيدة في المنطقة، إن لم يكن في العالم، التي تصدر قانوناً من هذا النوع، وهذا هو معنى الابتكار والتميز والانطلاقة نحو القمة.

قانون القراءة شيء حضاري متقدم جداً، يثبت أن نشر المعرفة في الإمارات ليس حالة مؤقتة محصورة في عام القراءة، بل يؤكد أن القناعة بأهميتها هي نهج مستمر، بدأ بتسلسل جميل، وبأسلوب حضاري رائع، بعام أقره رئيس الدولة للقراءة، تفاعلت فيه جميع الجهات الرسمية والشعبية، ومنه انطلقت ـ برعاية مباشرة واهتمام شخصي من محمد بن راشد ـ مسابقة تحدي القراءة، هذه المسابقة التي سجلت أرقاماً لا يمكن تخيلها، حيث قرأ أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون طالب في العالم العربي أكثر من 150 مليون كتاب، وفيه انطلقت الجوائز الإماراتية المعرفية والثقافية في التأليف والترجمة والنشر، وفيه اهتمام غير مسبوق بدور النشر والكتّاب والمؤلفين، وجاء قانون القراءة ليتوج هذا الجهد المعرفي الكبير، ويضع الإمارات، من دون منازع، على قائمة الدول العربية المهتمة بالعلم والثقافة والمعرفة.

القراءة أساس العلم، والعلم هو الحياة وهو المستقبل، والإمارات وضعت اللبنة والأساس لمستقبل أفضل لجميع الأجيال المقبلة، تؤسس لهم حياة أفضل، وتغذي عقولهم، وتبني لهم دولة عصرية حضارية، وتؤهلهم لمواجهة كل تحديات المستقبل، وتضمن من الآن لهم حياة كريمة لمرحلة ما بعد النفط، إنها استراتيجية شاملة وكاملة ومحكمة قابلة للتنفيذ، بل لا يوجد خيار آخر لدى الجميع سوى تنفيذها.. وبدقة.

الامارات اليوم