د. فاطمة الصايغ
تعد دولة الإمارات شاهداً جميلاً على تحولات العصر الذي نعيش فيه بكل ما فيه من متغيرات اقتصادية وتكنولوجية وسكانية وبيئية هائلة. فلا عجب أن تشد دولة الإمارات الأنظار على الرغم من صغر سنها وحجم مساحتها وحداثة تجربتها. فقد أصبحت تسابق غيرها على احتلال المراكز الأولى في مجالات تنموية عدة ولا سيما المجالات المستقبلية.
إنها الدولة التي تفخر اليوم بقدرات أهلها وابتكارهم وبحكمة قيادتها وبرؤيتها المستقبلية وبقدراتها على استيعاب المتغيرات من حولها وامتصاص الصدمات وبالتخطيط الجيد للمقبل من الأيام. وكما الحاضر فإن دولة الإمارات تخطط وتسير باتجاه المستقبل بخطى ثابتة واضعة سيناريوهات تناسب طموحات الدولة وتتوافق مع المتغيرات الداخلية والخارجية المتوقعة.
وفي الحقيقة لو نظرنا إلى تجربة الإمارات في إطار الواقع العربي لوجدنا تجربة مغايرة تكسر الصورة النمطية التي حبس فيها العرب لقرون. فقد استطاعت الإمارات أن تشق لنفسها طريقاً مختلفاً قائماً على مقومات بنيوية واعتبارات وطنية وذاتية باعتبارها مدخلاً مهماً للمستقبل. ففي فضاء السجالات الفكرية المتنوعة على الساحة العربية فقد اقتنعت الإمارات بتيار مختلف يوفر لساكنيها عالماً من الفرص والتوقعات.
فالمشاركة في القطار الحضاري والمكوكي السريع الذي يجري في العالم المتحضر والذي لا مجال للحاق به دون تفعيل آليات المشاركة ليس فقط في الإنجازات التكنولوجية والتقنية الهائلة التي حققتها الحضارة الإنسانية بل بمشاريع التعايش والتقارب الإنساني، هو المشروع الذي آمنت به الإمارات. بالإضافة إلى ذلك فالتركيز على تلقيح الأجيال الجديدة بأمصال الممانعة الثقافية وذلك حتى لا تجرد تلك الأجيال من مقوماتها الذاتية هو ضرورة آمنت بها ووظفتها خير توظيف.
لقد كسرت الإمارات تلك الشرنقة العربية التي حبس فيها العرب طويلاً، وأدركت بأن تغير حالة الضعف وعدم الندية يحتاج إلى قوة مؤثرة وأن هذه القوة المؤثرة ليس بالضرورة أن تكون عسكرية بل قد تكون اقتصادية أو ثقافية أو فكرية.
وبما أن لدينا من المكونات الجغرافية والفكرية والاقتصادية وطرق الإنتاج والابتكار ما يجعلنا ليس أقل من غيرنا، إذاً فالمشاركة في القطار الحضاري هي ضرورة حتمية. كما أن إنسان هذه المنطقة ليس بأقل من غيره فيما يتعلق بآليات التحصيل والإبداع والابتكار. وهكذا وضعت الإمارات الخطط الاستراتيجية ووحدت الرؤى والتوجهات البنيوية بما يخدم الأجندة الوطنية المستقبلية.
لقد آمنت الإمارات أن مجتمع الغد يحتاج إلى جهود مكثفة وآليات عمل منظمة للانتقال بالمجتمع من طور إلى طور. كما أدركت دور الشباب في هذا التحول وهكذا وضعت كل الآليات الكفيلة بهذا الانتقال ليكون انتقالاً سلساً دون عوائق ودون إفرازات جانبية.
لقد أدركت الإمارات منذ زمن طويل مضى بأن السباق للمستقبل لا يبدأ في المستقبل ولكن يبدأ مبكراً وعزمت على الانتقال للمستقبل عبر قنوات معروفة ومدروسة حتى لا تفاجأ بعقبات غير متوقعة أو بمتغيرات غير مستعدة لها. وهكذا تفرد أنموذج الإمارات ليس فقط في تجربته ولكن في إدارة تلك التجربة والمضي بها من مرحلة إلى أخرى.
إن تجربة الإمارات اليوم وخططها المستقبلية لا شك تبهر الناظر إليها. والأمر الذي يستغربه المرء هو ذلك التخطيط الجيد على امتصاص الصدمات المتوقعة.
فالإمارات مدركة أن العالم الذي تعيش فيه به الكثير من المنافسة والسباق واستباق الفرص والتغلب على التحديات، وأن تقدم المجتمع لا يجلب من الخارج وإنما يصنع محلياً وينبع من رحم التجربة. وما وصلت إليه الإمارات يجعلنا نقتنع كعرب أننا لسنا ضعافاً ولسنا قاصرين ما دمنا قد عقدنا العزم على التحدي.
فلغة العصر قد تطورت وأصبحت لغة قائمة على المعرفة والعلوم ومفرداتها مشتقة من التقنيات الحديثة التي من دونها لن نستطيع التعايش مع الآخر في عالمنا المعاصر ولا الاستعداد الجيد للمستقبل المنظور. إن هذه القضية الحيوية قد أصبحت اليوم في لب اهتمام قيادتنا وواضحة في كل خطط التنمية وكل الرؤى المستقبلية.
كما أن للمستقبل في الذهنية الإماراتية أولويات أهمها الاهتمام بتنمية وتأهيل الموارد البشرية التي سوف يقوم عليها ذلك المستقبل. ولهذا سعت الدولة إلى تبني كل سبل المسرعات المستقبلية لتلبية كل جوانب التنمية بما فيها التنمية البشرية. فلا عجب أن تبدو دولة الإمارات وكأنها دولة تعيش الحاضر بكل تجلياته وتعمل المستقبل بكل توقعاته.
البيان