عائشة سلطان
جميل أن نبحث عن نقاط التقاء بيننا في هذا العالم الذي يموج بالأزمات والصراعات، والذي تتفوق فيه نقاط الخلاف على نقاط الاتفاق، جميل أن نحفر في هذا الواقع طريقاً نمشي فيه معاً بنية إكمال الطريق معاً، لا بأية نية أخرى، وكشعوب عربية فإننا وبسبب عاطفيتنا الشديدة بحاجة دائمة إلى إنجازات وعلامات مضيئة في واقعنا العربي، تقوي فينا نزعة الانتماء والفخر، وهو أمر ليس سيئاً بالمطلق، فكم احتاجت أوروبا لهذه النزعة القومية وللفخر بالقيم الوطنية لإعادة بناء كياناتها بعد كل ما دمرته الحروب.
في الواقع العربي، هناك دول عاث فيها وهم الربيع العربي خراباً وتدميراً، وهناك دول استسلمت لمخططات التفرقة والتقسيم بكامل إرادة ساستها، خدمة لأجندات أجنبية، وهناك دول تصارع للخروج من المستنقع، وهناك من يترنح تحت وقع المؤامرات، وهناك.. ولكن هناك ضوء في نهاية النفق دائماً، هناك نور في مكان ما، وهناك نهار ينتظر في آخر مشوار الليل.
مازلت استذكر ملاحظة تلك الشابة العربية التي جاءت إلى الإمارات للمرة الأولى، وحين صحبتها إلى واحد من المراكز التجارية الكبيرة، تعجبت أولاً من كثرة الجنسيات واللغات والثقافات التي تتحرك في المكان، لكن علامة التعجب تجاوزت عبقرية المكان في دمجهم وجعلهم يتعايشون بسلام كامل، لتصل إلى السؤال حول هذه البهجة الواضحة التي تبدو على وجوه الجميع، لقد كانت تؤكد حقيقة هذا التعايش والشعور بالأمان والانتماء للمكان أكثر من كونها تبحث عن إجابة على سؤال ما، تلك الفتاة العربية ظلت تكرر دائماً كيف تمكنت الإمارات من تحقيق هذه المعجزة؟
لم تكن تقصد بالمعجزة ظاهرة التنمية والتطور المتسارع، ولكن ظاهرة الاندماج والتسامح الثقافي بين الجميع، رغم كل التناقضات الهائلة بينها، هذا واحد من إنجازات الإمارات التي تدحض مقولة إن العرب أصحاب ذهنيات مؤسسة على العنف والتطرف، وأن التمييز ضد الآخر شيء أساسي في خريطتهم الجينية، وأن القادمين من مجتمع القبيلة والبداوة أناس لا يمكنهم تقبل الآخر وقبول اختلافه الديني والمذهبي والسياسي والثقافي.
لقد استمعت إلى كثيرين ممن وجدوا في الإمارات فضاءً شاسعاً لتحقيق أحلامهم وكيانهم واستقلاليتهم، وممن أعانتهم الإمارات في الارتقاء بإنسانيتهم وحقوقهم، وممن أضاءت لهم كل الفرص لبلوغ مستويات نجاح وغنى، وبناء مستقبل تجاوز كل توقعاتهم، وممن أعادت لهم الإمارات ثقتهم بالدولة ومؤسساتها، باعتبارها أدوات لخدمتهم وتحقيق السعادة لهم لا للسيطرة والتنكيل بهم، وممن عززت فيهم روح الابتكار والعطاء والثقة في المستقبل واحترام الخصوصية.. وأكثر من ذلك أيضاً.
الإمارات نور ليس في نهاية النفق، إنها ضوء باهر يلغي النفق ويفتح كل النوافذ على الغد والجمال والأمل.
البيان