ناصر الظاهري

هذا هو الشعار الشعبي الذي رفعه المرشح الجمهوري «ترامب»، والرئيس الأميركي المنتخب الخامس والأربعون، الذي خيب آمال المتفائلين وهم كثر في أميركا وخارجها بفوز الديمقراطية «هيلاري كلينتون» ذات التاريخ السياسي والعملي في الإدارة الأميركية، والصوت الأنثوي الأول الطامح للبيت الأبيض في تاريخه، والمتعاطف معها الجنس النسائي حول الكرة الأرضية، من باب أنصر تاء التأنيث، واهزم جمع المذكر السالم، لذا ليلة إعلان النتيجة كانت مناحة، وبكاءً غزيراً، وتشنجات في المعدة لدى الجنس الناعم المناصر.

لما فشل الكل في التوقع مثل مراكز الدراسات والبحوث والتقصي، ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي اضطر مجلة شهيرة، مثل «نيوزويك» إلى أن تسحب ما يفوق 125 ألف نسخة من الأسواق بعد ما تصدرت «هيلاري» غلافها كأول امرأة رئيس لأميركا، كان الفوز مدوياً في أوساط النخب السياسية الأميركية التي غازلتها «هيلاري» وحزبها، ودعم من الرئيس «أوباما» في علنية الوقوف بجنبها، وضد «ترامب» في سابقة خرق ديمقراطي غير مسبوق، وفي حجم إنفاق مالي ديمقراطي بأزيد من الثلث على إنفاق المرشح الجمهوري «ترامب»، ورغم كل ذلك جاء الفوز تاركاً أسئلة كثيرة في أميركا، وفي أوروبا وروسيا والصين، وبقية العواصم الأخرى التي تؤثر وتتأثر بالسياسة الأميركية الخارجية، ولديها نقاط تقاطع من المصالح الدولية والثنائية المشتركة، وخاصة عواصم دول الشرق الأوسط المشتعل بقضايا كثيرة ومعقدة، وتعد الانتخابات الأميركية كل أربع سنوات لديهم مثل الولادة المتعسرة، يظلون يسبقونها بالدعاء العاطفي، بعيداً عن حسابات المنطق والبراغماتية السياسية.
لقد قدم «ترامب» المرشح للرئاسة الأميركية الوجه البشع للأميركي «الكاوبوي»، والمتغطرس اليميني، لكنه الوجه «الشعبي» الذي صارع كل القوى دون خلفية سياسية أو تاريخ في العمل الوطني، وهو ما وجد في صدر الناخب السياسي ما يدفعه للتغيير، والتبديل للأفضل الذي يراه في هذا الرجل الذي يشبه مقدمي البرامج الترفيهية في التلفزيونات الأميركية، ويحظون بنجاح أكبر فيها كلما تقدم بهم العمر، بملابسهم المتصابية، وشعرهم الأصهب المصبوغ، المواطن الأميركي العادي ضاق ذرعاً بعد ما جرب التعالي الديمقراطي، والانحياز للنخبة، والتخبط في السياسات الخارجية التي لم تقدم للولايات المتحدة أي منفعة اقتصادية داخلية أو سمعة خارجية زاهية.

لكن المرشح «ترامب» بالتأكيد سيختلف عن الرئيس «ترامب» الذي سيتسلم مقاليد البيت الأبيض في شهر يناير من العام المقبل، لأنه سيصطدم بمؤسسات عريقة عاملة، وتعمل من أجل مصلحة الأمن الوطني الأميركي، وتبرير الهيمنة الدولية، ورجال أعمال عاداهم في حملته الانتخابية، وجنس نسائي طاغ استعداه، وحط من قدر صويحباته، حتى ولو كان الجمهوريون ذوي أغلبية في مجلس النواب والشيوخ!

الاتحاد